للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا حقيق بالعقوبة بأن ينفَّذ عليه ما أنفذه على نفسه؛ إذ لم يقبل رخصة الله وتيسيره ومهلته، ولهذا قال ابن عباس لمن طلَّق مائة: «عصيتَ ربك وبانتْ منك امرأتك؛ إنك لم تتَّقِ الله فيجعل لك مخرجًا، ومن يتقِ الله يجعل له مخرجًا» (١). وأتاه رجل فقال: إن عمّي طلق ثلاثًا، فقال: «إن عمَّك عصى الله فأندمَه الله، وأطاع [١٢/ب] الشيطان فلم يجعل له مخرجًا»، فقال: أفلا تُحلِّلها له؟ فقال: من يُخادع الله يَخدعه (٢).

فليتدبَّر العالم الذي قصْدُه معرفة الحق واتباعه من الشرع والقدر في قبول الصحابة هذه الرخصة والتيسير على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقواهم ربهم تبارك وتعالى في التطليق، فجرت عليهم رخصة الله وتيسيره شرعًا وقدرًا، فلما ركب الناس الأُحموقةَ، وتركوا تقوى الله، ولَبَسوا على أنفسهم، وطلّقوا على غير ما شرعه الله لهم= أجرى الله على لسان الخليفة الراشد والصحابة معهم (٣) شرعًا وقدرًا إلزامَهم بذلك، وإنفاذَه عليهم، وإبقاءَ الإصْر الذي جعلوه هم في أعناقهم كما جعلوه.

وهذه أسرارٌ من أسرار الشرع والقدر لا تناسب عقول أبناء الزمان، فجاء أئمة الإسلام، فمضَوا على آثار الصحابة سالكين مسلكهم، قاصدين رِضَى الله ورسوله وإنفاذ دينه. فمنهم من ترك القول بحديث ابن عباس لظنِّه أنه


(١) رواه سعيد بن منصور (١٠٦٤) وأبو داود (٢١٩٧) والبيهقي (٧/ ٣٣٧)، وصححه الألباني في «الإرواء» (٧/ ١٢٠).
(٢) رواه عبد الرزاق (١٠٧٧٩) وابن أبي شيبة (٥/ ١١) وسعيد بن منصور (١٠٦٥) والبيهقي (٧/ ٣٣٧)، وصححه صالح آل الشيخ في «التكميل على الإرواء» (ص ١٣١).
(٣) كذا في النسختين د، ز. وفي هامش ز: لعله معه.