للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن ذلك ما أخبرني به بعض أصحابنا أنه قال لامرأته: إن أذِنتُ لك في الخروج إلى الحمّام فأنتِ طالق، فتهيَّأت للخروج إلى الحمام، فقال لها: اخرجي وأبصِرِي، فاستفتى بعض الناس، فأفتوه بأنها قد طلقتْ منه، فقال للمفتي: بأي شيء أوقعتَ عليَّ الطلاق؟ قال: بقولك لها اخرجي، فقال: إني لم أقل لها ذلك (١) إذنًا، [١٧/ب] وإنما قلتُه تهديدًا، أي: إنك لا يُمكِنكِ الخروج. وهذا كقوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت: ٤٠]، فهل هذا إذن لهم أن يعملوا ما شاؤوا؟ فقال: لا أدري، أنت لفظتَ بالإذن، فقال له: ما أردتُ الإذن، فلم يفقه المفتي هذا، وغَلُظَ حجابُه عن إدراكه، وفرَّق بينه وبين امرأته بما لم يأذن الله به (٢) ورسوله ولا أحد من أئمة الإسلام. وليت شعري هل يقول هذا المفتي: إن قوله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: ٢٩] إذنٌ له في الكفر؟ وهؤلاء أبعدُ الناس عن الفهم عن الله ورسوله وعن المطلِّقين مقاصدَهم.

ومن هذا إذا قال العبد لسيده ــ وقد استعمله في عملٍ يَشُقُّ عليه ــ: أعتِقْني من هذا العمل، فقال: أعتقتُك، ولم ينوِ إزالة ملكه عنه، لم يعتق بذلك. وكذلك إذا قال عن امرأته: هذه أختي، ونوى أختي في الدين، لم تحرُمْ بذلك، ولم يكن مظاهرًا. والصريح لم يكن موجِبًا لحكمه لذاته، وإنما أوجبه لأنا نستدلُّ على قصد المتكلم به لمعناه؛ بجريان اللفظ على لسانه اختيارًا؛ فإذا ظهر قصده بخلاف معناه لم يجُزْ أن يلزم بما لم يُرِده، ولا


(١) «ذلك» ليست في ز.
(٢) «به» ليست في ز.