للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التزمه، ولا خطر بباله، بل إلزامه بذلك جنايةٌ على الشرع وعلى المكلَّف. والله سبحانه رفع المؤاخذة عن المتكلم بكلمة الكفر مُكرَهًا لمَّا لم يقصد معناها ولا نواه، وكذلك المتكلم بالطلاق والعتاق والوقف واليمين والنذر مُكرَهًا لا يلزمه شيء من ذلك؛ لعدم نيته وقصده؛ وقد أتى باللفظ الصريح؛ فعُلِم أن اللفظ إنما يوجب معناه لقصد المتكلم به.

والله سبحانه رفع المؤاخذة عمن حدَّث نفسَه بأمر بغير تلفظٍ أو عمل، كما رفعها عمن تلفَّظ باللفظ من غير قصدٍ لمعناه ولا إرادة، ولهذا لا يكفر من جرى على لسانه لفظ الكفر سبقًا من غير قصدٍ لفرح أو دهش أو غير ذلك، كما في حديث الفرح الإلهي بتوبة العبد، وضرب مثل ذلك بمن فقَدَ راحلته عليها طعامه وشرابه في الأرض المهلكة، فأَيِسَ منها، ثم وجدها فقال: «اللهم أنت عبدي وأنا ربك» أخطأ من شدّة الفرح (١)، ولم يؤاخذ (٢) بذلك.

وكذلك إذا أخطأ من شدة الغضب لم يؤاخذ بذلك (٣)، ومن هذا قوله تعالى: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} [يونس: ١١]، قال السلف: هو دعاء الإنسان على نفسه وولده وأهله في حال الغضب (٤). ولو استجابه الله تعالى لأهلكه وأهلك من يدعو عليه،


(١) رواه مسلم (٢٧٤٧/ ٧) بهذا اللفظ من حديث أنس - رضي الله عنه -. وهو في البخاري (٦٣٠٩) بلفظ آخر.
(٢) ز: «يؤاخذه».
(٣) «بذلك» ليست في ز.
(٤) بنحوه قال مجاهد، رواه الطبري في «تفسيره» (١٢/ ١٣٠) وابن أبي حاتم في «تفسيره» (٦/ ١٩٣٢).