للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«لا طلاقَ في إغلاق» بالغضب (١)، وفسَّره مسروق به (٢).

فهذا مسروق والشافعي وأحمد وأبو داود والقاضي إسماعيل كلهم فسَّروا الإغلاق بالغضب، وهو من أحسن التفسير؛ لأن الغضبان قد أُغلِق عليه باب القصد بشدة غضبه، وهو كالمُكْرَه، بل الغضبان أولى بالإغلاق من المكره؛ لأن المكره قد قصدَ رفْعَ الشر الكثير بالشر القليل (٣) الذي هو دونه، فهو قاصدٌ حقيقة، ومن ههنا أوقع عليه الطلاقَ من أوقعه. وأما الغضبان فإن انغلاق باب القصد والعلم عنه كانغلاقه عن السكران والمجنون، فإن الغضب غولُ (٤) العقلِ، يغتالُه كما يغتاله الخمر بل أشدّ، وهو شعبة من الجنون، ولا يشكُّ فقيه النفس في أن هذا لا يقع طلاقه؛ ولهذا قال حبر الأمة الذي دعا له النبي - صلى الله عليه وسلم - بالفقه في الدين: «إنما الطلاق عن وَطَرٍ»، ذكره البخاري في «صحيحه» (٥)، أي عن غرضٍ من المطلِّق في وقوعه. وهذا من كمال فقهه - رضي الله عنه - وإجابةِ الله دعاء رسوله له، إذ الألفاظ إنما يترتّب عليها موجباتُها لقصد اللافظ بها، ولهذا لم يؤاخذنا الله باللغو في أيماننا، ومن اللغو ما قالته أم المؤمنين عائشة وجمهور السلف أنه قول


(١) ذكر المؤلف في «إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان» (ص ٧) أنه مقتضى كلام الشافعي، فإنه يسمي نذر اللجاج والغضب يمين الغلق ونذرَ الغلق. وانظر: «الأم» (٣/ ٦٥٩).
(٢) انظر: «شرح صحيح البخاري» لابن بطال (٦/ ١٣٧).
(٣) «القليل» ليست في ز.
(٤) الغول: كل شيء يذهب بالعقل.
(٥) (٩/ ٣٨٨ - مع الفتح) معلقًا بصيغة الجزم.