للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو مذهب داود بن علي وجميع أصحابه، وهو قول بعض أصحاب مالك في بعض الصور فيما إذا حلف عليها بالطلاق على شيء لا تفعله هي، كقوله: إن كلَّمتِ فلانًا فأنتِ طالق، فقال: لا تُطلَّق إن كلّمتْه؛ لأن الطلاق لا يكون بيدها إن شاءت طلَّقتْ وإن شاءت أمسكتْ، وهو قول بعض الشافعية في بعض الصور، كقوله: الطلاق يَلزمُني أو لازمٌ لي لا أفعل كذا وكذا، فإن لهم فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه إن نوى وقوع الطلاق بذلك لزمه، وإلا فلا يلزمه، وجعله هؤلاء كناية، والطلاق يقع بالكناية مع النية.

الوجه الثاني: أنه صريح، فلا يحتاج إلى نيةٍ، وهذا اختيار الرُّوياني، ووجهه أن هذا اللفظ قد غلب في إرادة الطلاق فلا يحتاج إلى نية.

الوجه الثالث: أنه ليس بصريح ولا كناية، ولا يقع به طلاق وإن نواه، وهذا اختيار القفّال في «فتاويه». ووجهه أن الطلاق لا بدَّ فيه من إضافته إلى المرأة، كقوله: أنتِ طالق، أو طلّقتكِ، أو قد طلّقتكِ، أو يقول: امرأتي طالق، أو فلانة طالق، ونحو هذا، ولم توجد هذه الإضافة في قوله: الطلاق يلزمني. ولهذا قال ابن عباس فيمن قال لامرأته: طلِّقي نفسكِ، فقالت: أنتَ طالق، فإنه لا يقع بذلك طلاق، وقال: خَطَّأ الله نَوْءَها (١)، وتبعه على ذلك الأئمة. فإذا قال «الطلاق يلزمني» لم يكن لازمًا له إلا أن يُضِيفه إلى محلِّه، ولم


(١) رواه ابن أبي شيبة (١٨٣٩٣). والمعنى: لو طلَّقت نفسَها لوقع الطلاق، فحيثُ طلَّقت زوجَها لم يقع، فكانت كمن يُخطئه النَّوء فلا يُمطَر. انظر: «النهاية» لابن الأثير (٥/ ١٢٢، ١٢٣).