للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالوا: وعلى هذا أبدًا تجيء الفتاوى في طول الأيام، فمهما تجدَّد في العرف فاعتبِرْه، ومهما سقط فألْغِه، ولا تجمُدْ على المنقول في الكتب طول عمرك، بل إذا جاءك رجل من غير إقليمك يستفتيك فلا تُجْرِه على عرف بلدك، وسَلْه عن عرف بلده فأَجْرِه عليه وأَفتِه به، دون عُرْف بلدك والمذكورِ في كتبك.

قالوا: فهذا هو الحق الواضح، والجمود على المنقولات أبدًا ضلال في الدين وجهلٌ بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين.

قالوا: وعلى هذه القاعدة تُخرَّج أيمان الطلاق والعتاق وصيغ الصرائح والكنايات؛ فقد يصير الصريح كناية يفتقر إلى النية، وقد تصير الكناية صريحًا تستغني عن النية.

قالوا: وعلى هذه القاعدة فإذا قال «أيمان البيعة تلزمني» خرج ما يلزمه على ذلك، وما جرت به العادة في الحلف عند الملوك المعاصرة إذا لم يكن له نية. فأيُّ شيء جرت به عادة ملوك الوقت في التحليف به في (١) بيعتهم، واشتهر ذلك عند الناس بحيث صار عرفًا متبادرًا إلى الذهن من غير قرينة= حُمِلت يمينه عليه، وإن لم يكن الأمر كذلك اعتُبِرت نيته أو بساط يمينه، فإن لم يكن شيء من ذلك فلا شيء عليه، انتهى (٢).

وهذا محض الفقه، ومن أفتى الناس بمجرد المنقول في الكتب على اختلاف عرفهم وعوائدهم وأزمنتهم وأمكنتهم وأحوالهم وقرائن أحوالهم


(١) «في» ليست في النسختين، وهي في هامش د و «الفروق».
(٢) أي انتهى نقل مذهب المالكية من كتاب «الفروق».