للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حكم الدلالة التي هي أقوى من الذرائع، وإذا بطل الأقوى من الدلائل بطل الأضعفُ من الذرائع كلِّها، وبطل الحد في التعريض بالقذف، فإن من الناس من يقول: إذا تشاتم الرجلان فقال أحدهما: «ما أنا بزانٍ ولا أمي زانية» حُدَّ؛ لأنه إذا قاله على المشاتمة فالأغلب أنه إنما يريد به قذفَ أمِّ الذي يشاتم وأبيه (١). وإن قاله على غير المشاتمة لم أحدَّه إذا قال: «لم أُرِد القذف»، مع إبطال رسول الله (٢) - صلى الله عليه وسلم - حكمَ التعريض في حديث الفزاري الذي ولدت امرأته غلامًا أسود.

فإن قال قائل: فإن عمر حدَّ في التعريض في مثل هذا (٣).

قيل: استشار أصحابه، فخالفه بعضهم (٤)، ومع من خالفه ما وصفنا من الدلالة. ويبطُل مثله [من] (٥) قول الرجل لامرأته: «أنت طالق البتة»، لأن الطلاق إيقاع طلاق ظاهر، والبتةُ تحتمل زيادة في عدد الطلاق وغير زيادة، والقول قوله في الذي يحتمل غير الظاهر، حتى لا يُحكم عليه أبدًا إلا بظاهر، ويجعل القول قوله في غير الظاهر.


(١) في النسختين: «قذف أم الذي يشاتمه وأمه». وشطب على «أم» في د. والتصويب من «الأم».
(٢) د: «النبي».
(٣) رواه عبد الرزاق (١٣٧٠٣).
(٤) يشير إلى ما رواه مالك (٢/ ٨٢٩) وابن أبي شيبة (٢٨٩٦٥) واللفظ له عن عمرة بنت عبد الرحمن، قالت: استبّ رجلان، فقال أحدهما: ما أمي بزانية، وما أبي بزان، فشاور عمر القوم، فقالوا: مدح أباه وأمه، فقال: لقد كان لهما من المدح غير هذا فضربه. فيه انقطاع؛ لأن عمرة لم تدرك عمر - رضي الله عنه -.
(٥) من «الأم».