للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذا يدلُّ على أنه لا يفسُد عقدٌ إلا بالعقد نفسه، ولا يفسُد بشيء تقدَّمه ولا تأخَّره، ولا بتوهُّم، ولا بالأغلب، وكذلك كل شيء لا يفسد إلا بعقده.

ولا تفسد البيوع بأن يقول: هذه ذريعة، وهذه نية سوء، ولو كان (١) أن تبطل البيوع بأن تكون ذريعة إلى الربا كان اليقين في البيوع بعقد ما لا يحل أولى أن يردّ به من الظن، ألا ترى أن رجلًا لو اشترى سيفًا ونوى بشرائه أن يقتل به مسلمًا كان الشراء حلالًا، وكانت النية بالقتل غير جائزة، ولم يبطل بها البيع، وكذلك لو باع سيفًا من رجل يرى أنه يقتل به رجلًا كان هذا هكذا.

ولو أن رجلًا شريفًا نكح دنيَّة أعجميةً أو شريفةً لو (٢) نكحتْ دنيًّا أعجميًّا، فتصادقا في الوجهين على أن لم ينوِ واحد منهما [٣٥/ب] أن يثبتا على النكاح أكثر من ليلة= لم يحرم النكاح بهذه النية؛ لأن ظاهر عقده كان صحيحًا، إن شاء الزوج حبَسَها وإن شاء طلَّقها.

فإذا دلّ الكتاب ثم السنة ثم عامة حكم الإسلام على أن العقود إنما تثبت بظاهر عقدها لا تُفسِدها نية العاقدين، كانت العقود إذا عقدت في الظاهر صحيحة، ولا تفسد بتوهُّم غير عاقدها على عاقدها، سيَّما إذا كان توهمًا ضعيفًا. انتهى كلام الشافعي.

وقد جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الهازل بالنكاح والطلاق والرجعة كالجادّ بها (٣)،


(١) في «الأم»: «جاز».
(٢) في النسختين: «أو». والمثبت من «الأم».
(٣) رواه أبو داود (٢١٩٤) والترمذي (١١٨٤) وابن ماجه (٢٠٣٩) والحاكم (٢/ ١٩٧)، وفي إسناده عبد الرحمن بن حبيب بن أدرك متكلم فيه، وللحديث شواهد يتقوى بها. انظر: «الإرواء» (٦/ ٢٢٤).