للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأخبر أن خداعهم إنما هو لأنفسهم، وأن في قلوبهم مرضًا، وأنه سبحانه خادعهم، فكل هذا عقوبة لهم.

ومدار الخداع على أصلين؛ أحدهما: إظهار فعل لغير مقصوده الذي جُعِل له. الثاني: إظهار قول لغير مقصوده الذي وُضع له، وهذا منطبق على الحيل المحرمة. وقد عاقب الله سبحانه المتحيلين على إسقاط نصيب المساكين وقت الجداد بجَدِّ حَبِّهم (١) عليهم وإهلاك ثمارهم، فكيف بالمتحيل على إسقاط فرائض الله وحقوق خلقه؟ ولعن أصحاب السبت ومسخهم قردةً وخنازير على احتيالهم على فعل ما حرّمه عليهم.

قال الحسن البصري في قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ [٥٤/ب] اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ} [البقرة: ٦٥]، قال: رَمَوا الحيتان في السبت، ثم أرجؤوها في الماء، فاستخرجوها بعد ذلك، فطبخوها فأكلوها واللهِ أوخَمَ أَكْلةٍ أُكِلَتْ، أسرعَه في الدنيا عقوبةً وأسرعَه عذابًا في الآخرة، والله ما كانت لحوم تلك الحيتان بأعظمَ عند الله من دماء قوم مسلمين، إلا أنه عجّل لهؤلاء وأخّر لهؤلاء (٢).

وقوله: «رمَوها في السبت» يعني احتالوا على وقوعها في الماء يوم السبت، كما بيَّن غيره أنهم حفروا لها حياضًا ثم فتحوها عشيةَ الجمعة، ولم يُرِد أنهم باشروا رميها يوم السبت؛ إذ لو اجترؤوا على ذلك لاستخرجوها.


(١) كذا في النسختين. وفي المطبوع: «بجنتهم».
(٢) رواه الطبري في «تفسيره» (١٠/ ٥٢٣) من طريق سفيان بن عيينة عن أبي موسى عن الحسن بنحوه. ورواه أيضًا (١٠/ ٥٢٣) من طريق ابن علية عن أيوب عن الحسن.