للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ظهر لك التفاوتُ، وانضم إلى هذا أن التابعين موافقون لهم على ذلك؛ فإن الفقهاء السبعة وغيرهم من فقهاء المدينة الذين أخذوا عن زيد بن ثابت وغيره متفقون على إبطال الحيل، وكذلك أصحاب عبد الله بن مسعود من أهل الكوفة، وكذلك أصحاب فقهاء البصرة كأيوب وأبي الشعثاء والحسن وابن سيرين، وكذلك أصحاب ابن عباس.

وهذا في غاية القوة من الاستدلال، فإنه انضمَّ إلى كثرة فتاويهم بالتحريم في أفراد هذا الأصل وانتشارها أن عصرهم انصرم، ورقعة الإسلام متسعة، وقد دخل الناس في دين الله أفواجًا، وقد اتسعت الدنيا على المسلمين أعظمَ اتساع، وكثر من كان يتعدَّى الحدود، وكان المقتضي لوجود هذه الحيل موجودًا، فلم يُحفظ عن رجل واحد منهم أنه أفتى بحيلة واحدة منها وأمر بها أو دلّ عليها، بل المحفوظ عنهم النهي والزجر عنها؛ فلو كانت هذه الحيل مما يسوغ فيها الاجتهاد لأفتى بجوازها رجل منهم، ولكانت مسألة نزاعٍ كغيرها، بل أقوالهم وأعمالهم وأحوالهم متفقة على تحريمها والمنع منها، ومضى على أثرهم أئمة الحديث والسنة في الإنكار.

قال الإمام أحمد في رواية موسى بن سعيد الدَّنداني (١): لا يجوز شيء من الحيل (٢). وقال في رواية الميموني وقد سأله عمن حلف على يمين ثم احتال لإبطالها، فقال: نحن لا نرى الحيلة (٣). وقال في رواية بكر بن


(١) ز: «الديرانى» بالراء وبدون نقط. وانظر: «طبقات الحنابلة» (١/ ٣٣٢) و «الأنساب» (٥/ ٣٤٦).
(٢) انظر: «إبطال الحيل» (ص ١١٣) و «طبقات الحنابلة» (١/ ٣٣٢).
(٣) انظر: «إبطال الحيل» (ص ١١١) و «طبقات الحنابلة» (١/ ٢١٥).