للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التحيُّلَ على إسقاط ما فرضه عليهم وعلى إضاعة الحقوق التي أحقَّها عليهم لبعضهم بعضًا لقيام مصالح النوع الإنساني التي لا تتمُّ إلا بما شرعه؟

فهذه الشريعة شرعَها الذي علم ما في ضمنها من المصالح والحِكم والغايات المحمودة وما في خلافها من ضدّ ذلك، وهذا أمر ثابت لها لذاتها وبائنٌ من أمر الرب تبارك وتعالى بها ونهيه عنها، فالمأمور به مصلحة وحُسنٌ في نفسه، واكتسى بأمر الرب تعالى مصلحةً وحسنًا آخر، فازداد حسنًا بالأمر ومحبة الرب وطلبه له إلى حسنه في نفسه، وكذلك المنهيُّ عنه مفسدةٌ في نفسه، وازداد بنهي الرب تعالى عنه وبغضه له وكراهته له (١) قبحًا إلى قبحه، وما كان هكذا لم يجز أن ينقلب حسنُه قبحًا بتغيُّر الاسم والصورة مع بقاء الماهية والحقيقة.

ألا ترى أن الشارع صلوات الله وسلامه عليه حرَّم بيع الثمار قبل بُدوِّ صلاحها (٢) لما فيه من مفسدة التشاجر والتشاحن (٣)، ولما تؤدي إليه ــ إن منع الله الثمرة ــ من أكلِ مال أخيه [٦٢/أ] بغير حق ظلمًا وعدوانًا، ومعلوم قطعًا أن هذه المفسدة لا تزول بالتحيل على البيع قبل بدوِّ الصلاح؛ فإن الحيلة لا تؤثّر في زوال هذه المفسدة، ولا في تخفيفها، ولا في زوال ذرة منها؛ فمفسدة هذا العقد أمر ثابت له لنفسه، فالحيلة إن لم تزِده فسادًا لم تُزِلْ فسادًا.

وكذلك شرع الله سبحانه الاستبراء لإزالة مفسدة اختلاط المياه وفساد


(١) «له» ليست في ز.
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) ز: «التشاحن والتشاجر».