للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأنساب وسَقْي الإنسان ماءه زرعَ غيرِه، وفي ذلك من الفساد ما توجب العقول تحريمه لو لم تأت به شريعة، ولهذا فطر الله الناس على استهجانه واستقباحه، ويرون من أعظم الهُجَنِ (١) أن يقوم هذا عن المرأة ويَخلُفه الآخر عليها، ولهذا حرّم نكاح الزانية وأوجب العِدَد والاستبراء، ومن المعلوم قطعًا أن هذه المفسدة لا تزول بالحيلة على إسقاط الاستبراء ولا تَخِفُّ.

وكذلك شرع الحج إلى بيته لأنه قِوامٌ للناس في معاشهم ومعادهم، ولو عُطِّل البيت الحرام عامًا واحدًا عن الحج لما أُمهل الناس، ولعوجلوا بالعقوبة، وتوعّد مَن ملك الزاد والراحلة ولم يحج بالموت على غير الإسلام (٢)، ومعلوم أن التحيُّل لإسقاطه لا يُزيل مفسدةَ الترك، ولو أن الناس كلهم تحيَّلوا لترك الحج والزكاة لبطلت فائدة هذين الفرضين العظيمين، وارتفع من الأرض حكمهما بالكلية، وقيل للناس: إن شئتم كلُّكم أن تتحيّلوا لإسقاطهما فافعلوا. فليتصوَّر العبد ما في إسقاطهما من الفساد المضادِّ لشرع الله وإحسانه وحكمته.

وكذلك الحدود جعلها الله سبحانه زواجرَ للنفوس وعقوبةً ونكالًا وتطهيرًا، فشرعها من أعظم مصالح العباد في المعاش والمعاد، بل لا تتمُّ سياسة ملكٍ من ملوك الأرض إلا بزواجرَ وعقوباتٍ لأرباب الجرائم، ومعلوم ما في التحيُّل لإسقاطها من منافاة هذا الغرض وإبطاله، وتسليطِ


(١) جمع هُجْنة: العيب والقبح.
(٢) رواه الترمذي (٨١٢) من حديث علي - رضي الله عنه -، وقال: حديث غريب، وأعلّه بهلال بن عبد الله والحارث الأعور.