للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحصين الذي من دخله نجا من الشرور. فتعالى شارعُ هذه الشريعة الفائقة لكل شريعة أن يشرع فيها الحيل التي تُسقِط فرائضه، وتُحِلُّ محارمه، وتُبطِل حقوق عباده، وتفتح للناس أبواب الاحتيال، وأنواع المكر والخداع، وأن يُبيح التوصُّلَ بالأسباب المشروعة إلى الأمور المحرمة الممنوعة، وأن يجعلها مُضغةً (١) لأفواه المحتالين، عُرضةً لأغراض المخادعين الذين يقولون ما لا يفعلون، ويُظهرون خلاف ما يُبطنون، ويرتكبون العبثَ الذي لا فائدة فيه سوى ضُحْكة الضاحكين وسُخرية الساخرين، فيخادعون الله كأنما يخادعون الصبيان، ويتلاعبون بحدوده كتلاعب المُجَّان، فيحرِّمون الشيء ثم يستحلُّونه إياه بعينه بأدنى الحيل، ويسلكون إليه نفسِه طريقًا تُوهِم أن المراد غيره، وقد علموا أنه هو المراد لا غيره، ويُسقطون الحقوق التي وصَّى الله بحفظها وأدائها بأدنى شيء، ويفرِّقون بين متماثلينِ من كل وجه لاختلافهما في الصورة أو الاسم أو الطريق الموصل إليهما، ويستحلُّون بالحيل ما هو أعظم فسادًا مما يحرّمونه (٢)، ويُسقطون بها ما هو أعظم وجوبًا مما يوجبونه.

والحمد لله الذي نزَّه شريعته عن هذا التناقض (٣) والفساد، وجعلها كَفيَّةً (٤) وَفيَّة بمصالح خلقه في المعاش والمعاد، وجعلها من أعظم [٦٩/ب] آياته الدالة عليه، ونصبها طريقًا مُرشدًا لمن سلكه إليه؛ فهو نوره المبين،


(١) في النسختين: «مصبغة». والمثبت يناسق السياق
(٢) ز: «يحرّمون».
(٣) ز: «النتاقظ».
(٤) ز: «كفيلة». و «الكفيّة» بمعنى الكافية.