للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحِصنه الحصين، وظلُّه الظليل، وميزانه الذي لا يَعُول (١). لقد تعرّف بها إلى ألبَّاء عباده غايةَ التعرف، وتحبَّب بها إليهم غايةَ التحبُّب، فآنَسُوا بها (٢) منه حكمتَه البالغة، وتمت بها عليهم منه نِعمُه السابغة، ولا إله إلا الله الذي في شرعه أعظم آية تدلُّ على تفرُّده بالإلهية وتوحُّده بالربوبية، وأنه الموصوف بصفات الكمال، المستحقّ لنعوت الجلال، الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلى وله المثل الأعلى، فلا يدخل السوء في أسمائه، ولا النقص والعيب في صفاته، ولا العبث ولا (٣) الجور في أفعاله، بل هو منزَّه في ذاته وأوصافه وأفعاله وأسمائه عما يضادُّ كمالَه بوجه من الوجوه.

تبارك اسمه، وتعالى جَدُّه، وبَهرتْ حكمته، وتمَّت نعمته، وقامت على عباده حجته، والله أكبر كبيرًا أن يكون في شرعه تناقض أو اختلاف، فلو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا، بل هي شريعة مؤتلفة النظام، متعادلة الأقسام، مبرَّأة من كل نقص، مطهَّرة من كل دَنَس، مسلَّمة لا شِيةَ فيها، مؤسَّسة على العدل والحكمة والمصلحة والرحمة قواعدُها ومبانيها، إذا حرَّمت فسادًا حرَّمت ما هو أولى منه أو نظيره، وإذا رعَتْ صلاحًا رعَتْ ما هو فوقه أو شبيهه؛ فهي صراطه المستقيم الذي لا أَمْتَ (٤) فيه ولا عِوَج، وملّته الحنيفية السمحة التي لا ضِيقَ فيها ولا حرج، بل هي حنيفية التوحيد سمحة العمل، لم تأمر بشيء فيقول العقل لو نهتْ عنه لكان أوفق، ولم تَنْهَ


(١) أي لا ينقص ولا يزيد.
(٢) «بها» ليست في د. وآنسوا بمعنى أبصروا.
(٣) «لا» ليست في ز.
(٤) العيب والعِوج.