للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن شيء فيقول الحِجَا لو أباحته لكان أوفق، بل أمرت بكل صلاح، ونهت عن كل فساد، وأباحت كل طيِّب، وحرّمت كل خبيث، فأوامرها غذاء ودواء، ونواهيها حِميةٌ وصيانة، وظاهرها زينة لباطنها، وباطنها أجمل من ظاهرها، شعارها الصدق، وقِوامُها الحق، وميزانها العدل، وحكمها الفَصْل، لا حاجة بها البتةَ إلى أن تُكْمَل بسياسة ملكٍ أو رأي ذي رأي أو قياس فقيه أو ذوقِ ذي رياضة أو منامِ ذي دين وصلاح، بل بهؤلاء كلِّهم أعظمُ الحاجة إليها، ومن وُفِّقَ منهم للصواب فلاعتماده وتعويله عليها.

لقد أكملها الذي أتمَّ نعمته علينا بشرعها قبل سياسات الملوك، وحيل المتحيّلين، وأقيسة القياسيين، وطرائق الخلافيين، وأين كانت هذه الحيل والأقيسة والقواعد المتناقضة والطرائق القِدَد (١) وقتَ نزول قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: ٣]؟ وأين كانت يومَ قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لقد تركتُكم على المَحجَّة البيضاءِ ليلُها كنهارِها، لا يَزِيغُ عنها إلا هالكٌ» (٢)، ويومَ قوله: «ما تركتُ من شيء يُقرِّبكم إلى (٣) الجنة ويُباعِدكم من النار إلا أعلمتُكموه» (٤)؟ وأين كانت عند قول أبي ذر: لقد توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[٧٠/أ] وما طائرٌ يقلِّب جناحَيه في السماء


(١) أي المختلفة.
(٢) رواه أحمد (١٧١٤٢) وابن ماجه (٤٣) والحاكم (١/ ٩٦) بنحوه من حديث العرباض بن سارية، وهو حديث صحيح بطرقه وشواهده. انظر: «الصحيحة» (٩٣٧).
(٣) ز: «من».
(٤) رواه ابن أبي شيبة (٣٥٤٧٣) والبيهقي في «شعب الإيمان» (٩٨٩١) والبغوي في «شرح السنة» (٤١١١) من حديث ابن مسعود، وفي إسناده انقطاع.