للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلا أذكَرَنا منه علمًا (١)، وعند قول القائل لسلمان: لقد علَّمكم نبيكم كلَّ شيء حتى الخِراءة، فقال: أجل (٢)؟

فأين علَّمهم الحيلَ والمخادعة والمكر وأرشدهم إليه ودلّهم عليه؟ كلّا والله، بل حذَّرهموه أشدَّ التحذير، وأوعدهم عليه أشدَّ الوعيد، وجعله منافيًا للإيمان، وأخبر عن لعنة اليهود لما ارتكبوه، وقال لأمته: «لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود، فتستحلُّوا محارمَ الله تعالى بأدنى الحيل» (٣)، وأغلقَ أبواب المكر والاحتيال، وسدَّ الذرائعَ، وفصَلَ الحلالَ من الحرام، وبيَّن الحدود، وقسَّم شريعته إلى حلال بيِّن وحرام بيِّن وبرزخٍ بينهما (٤)؛ فأباح الأول، وحرَّم الثاني، وحضَّ الأمة على اتقاء الثالث خشيةَ الوقوع في الحرام، وقد أخبر الله سبحانه عن عقوبة المحتالين على حِلّ ما حرَّمه عليهم وإسقاطِ ما فرضه عليهم في غير موضع من كتابه.

قال أبو بكر الآجرِّي (٥) وقد ذكر بعض الحيل الربوية التي يفعلها الناس: لقد مُسِخ اليهود قِردةً بدون هذا.

وصدقَ واللهِ، لأَكلُ حوتٍ صِيْدَ يوم السبت أهونُ عند الله وأقلّ جرمًا من آكل الربا ــ الذي حرَّمه الله ــ بالحيل والمخادعة، ولكن كما قال الحسن:


(١) رواه أحمد (٢١٣٦١، ٢١٤٣٩، ٢١٤٤٠)، وفي إسناده انقطاع وضعف، والحديث حسن بشواهده. انظر: «الصحيحة» (١٨٠٣) و «العلل» للدارقطني (٦/ ٢٩٠).
(٢) رواه مسلم (٢٦٢).
(٣) تقدم.
(٤) كما في حديث النعمان بن بشير الذي رواه البخاري (٥٢، ٢٥٠١) ومسلم (١٥٩٩).
(٥) كما نقل عنه شيخ الإسلام في «بيان الدليل» (ص ٣٨، ٣٩).