للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالكلام من أحسن المعاريض وأصدقها.

ومثل هذا قول الملَكينِ لداود عليه السلام: {خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ} إلى قوله: {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} [ص: ٢٢ - ٢٣] أي غلبني في الخطاب، ولكن تخريج هذا الكلام على المعاريض لا يكاد يتأتَّى، وإنما وجهه أنه كلام خرج على ضرب المثال، أي إذا كان كذلك فكيف الحكم بيننا.

ونظير هذا قول الملَك للثلاثة الذين أراد الله أن يبتليهم: «مسكين وغريب وعابر سبيل، وقد تقطَّعت بي الحِبال، ولا بلاغ لي اليومَ إلا بالله ثم بك، فأسألك بالذي أعطاك هذا المال بعيرًا أتبلَّغُ به في سفري هذا» (١). وهذا ليس بتعريض، وإنما هو تصريح على وجه ضرب المثال وإيهام أني أنا صاحب هذه القضية، كما أوهم الملَكانِ داود أنهما صاحبا القصة ليتمَّ الامتحان.

ولهذا قال نصر بن حاجب: سئل ابن عيينة عن الرجل يعتذر إلى أخيه من الشيء الذي قد فعله، ويحرِّف القول فيه ليرضيه، لم يأثم في ذلك؟ فقال: ألم تسمع قوله: «ليس بكاذبٍ من أصلحَ بين الناس يكذِب (٢) فيه» (٣)، فإذا أصلح بينه وبين أخيه المسلم خير من أن يصلح بين الناس بعضهم من بعض، وذلك إذا أراد به مرضاة الله، وكره أذى المؤمن، ويندم على ما كان


(١) رواه البخاري (٣٤٦٤) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) كذا في د، ز. وفي «بيان الدليل»: «فكذب».
(٣) أصل الحديث عند البخاري (٢٦٩٢) ومسلم (٢٦٠٥) من حديث أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط. وأما هذا اللفظ فقد رواه الطبراني في «الأوسط» (٨٠٥٨) والقطيعي في «جزء الألف دينار» (٣٢٨) والسلفي في «الطيوريات» (١٢٥، ٣٩٣).