إنما أذن له في بيع يتعارفه الناس، وهو البيع المقصود في نفسه، ولم يؤذن له في بيع يكون وسيلة وذريعة ظاهرة إلى ما هو ربا صريح، وكان القوم أعلم بالله ورسوله وشريعته من أن يفهموا عنه أنه أذن لهم في الحيل الربوية التي ظاهرها بيع وباطنها ربًا، ونحن نشهد بالله أنه كما لم يأذن فيها بوجه لم يفهمها عنه أصحابه بخطابه بوجه.
وما نظير هذا الاستدلال إلا استدلال بعضهم على جواز أكل ذي الناب والمِخْلَب بقوله:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ}[البقرة: ١٨٧]، واستدلال آخر بقوله:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}[النساء: ٢٤] على جواز نكاح الزانية المُصِرَّة على الزنا، واستدلال آخر على ذلك بقوله:{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ}[النور: ٣٢]، واستدلال غيره به على صحة نكاح التحليل بذلك، وعلى صحة نكاح المتعة، واستدلال آخر على جواز نكاح المخلوقة من مائه إذا كان زانيًا. ولو أن رجلًا استدلَّ بذلك على جواز نكاح المرأة على عمتها وخالتها، وأخذ يعارض به السنة= لم يكن فرق بينه وبين هذا الاستدلال، بل لو استدل به على كل نكاح حرَّمته السنة لم يكن فرق بينه وبين هذا الاستدلال. وكذلك قوله:«بع الجمع» لو استدل به مستدل على بيع من البيوع المتنازع فيها لم يكن فيه حجة، وليس الغالب أن بائع التمر بدراهم يبتاع بها من المشتري حتى يقال: هذه الصورة غالبة فيُحمَل اللفظ عليها، ولا هو المتعارف عند الإطلاق عرفًا وشرعًا.
وبالجملة فإرادة هذه الصورة وحدها من اللفظ ممتنع، وإرادتها مع غيرها فرع على عمومه، ولا عمومَ له، وإرادة القدر المشترك بين أفراد البيع إنما ينصرف إلى البيع المعهود عرفًا وشرعًا، وعلى التقديرات كلها لا تدخل