للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا تبيَّن هذا فليس في الحديث أمرُه أن يبيع التمر لبائع النوع الآخر ولا لغيره، ولا بحلول ولا بأجل، ولا بنقد البلد ولا بغيره (١)، ولا بثمن المثل أو غيره، وكل هذه القيود خارجة عن مفهوم اللفظ، ولو زعم زاعم أن اللفظ يعمُّ هذا كله كان مبطلًا، لكن اللفظ لا يمنع الإجزاء إذا أتى بها، وإنما استفيد عدم الامتثال إذا بيع بدون ثمن المثل أو بثمن مؤجّل أو بغير نقد البلد من العرف الذي ثبت للبيع المطلق. وكذلك ليس في اللفظ ما يدلُّ على أنه يبيعه من البائع بعينه ولا غيره، كما ليس فيه ما يمنعه، بل كل واحد من الطرفين يحتاج إلى دليل خارج عن اللفظ المطلق؛ فما قام الدليل على إباحته أبيح فعله بالدليل الدال على جوازه لا بهذا اللفظ، وما قام الدليل (٢) على المنع منه لم يعارض دليل المنع بهذا اللفظ المطلق حتى يطلب الترجيح، بل يكون دليل المنع سالمًا عن المعارضة بهذا، فإن عورض بلفظ عام متناول لإباحته بوضع اللفظ له أو بدليل خاص صحت المعارضة. فتأمَّلْ هذا الموضع الذي كثيرًا ما يَغلَط فيه الناظر والمناظر، وبالله التوفيق.

وقد ظهر بهذا جوابُ من قال: «لو كان الابتياع من المشتري حرامًا لنهى عنه»، فإن مقصوده - صلى الله عليه وسلم - إنما كان بيان الطريق التي بها يحصل اشتراء التمر الجيد لمن عنده رديء، وهو أن يبيع الرديء بثمن ثم يبتاع بالثمن جيدًا، ولم يتعرض لشروط (٣) المبيع وموانعه؛ لأن المقصود ذكر الحكم [٧٥/ب] على وجه الجملة، أو لأن المخاطب أُحيل على فهمه وعلمه بأنه


(١) ز: «غيره».
(٢) د: «دليل».
(٣) ز: «لشرط».