للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا عُرِف هذا فهو إنما عقد معه العقد الأول ليعيد إليه الثمن بعينه ويأخذ العوض الآخر، وهذا تواطؤٌ منهما حين عقداه على فسخه، والعقد إذا قصد به فسخه لم يكن مقصودًا، وإذا لم يكن مقصودًا كان وجوده كعدمه، وكان توسطه عبثًا.

ومما يوضح الأمر في ذلك أنه إذا جاءه بتمر أو زبيب أو حنطة ليبتاعَ به من جنسه فإنهما يتشارطان ويُراوِضانِ (١) على سعر أحدهما من الآخر، وأنه مدٌّ بمدٍّ ونصفٍ مثلًا، ثم بعد ذلك يقول: بعتُك هذا بكذا وكذا درهمًا، ثم يقول: بعني بهذه الدراهم كذا وكذا صاعًا من النوع الآخر، وكذلك في الصرف، وليس للبائع ولا للمشتري غرض في الدراهم، والغرض معروف. فأين من يبيعه السلعة بثمن ليشتري به منه من جنسها إلى من (٢) يبيعه إياها بثمن له غرض في تملُّكه وقبضه؟ وتوسُّط الثمن في الأول عبث محض لا فائدة فيه، فكيف يأمر به الشارع الحكيم مع زيادة [٧٧/أ] التعب والكلفة فيه؟ ولو كان هذا سائغًا لم يكن في تحريم الربا حكمة سوى تضييع الزمان وإتعاب النفوس بلا فائدة؛ فإنه لا يشاء أحد أن يبتاع ربويًّا بأكثر منه من جنسه إلا قال: بعتُك هذا بكذا، وابتعتُ منك هذا بهذا الثمن؛ فلا يَعجِز أحد عن استحلال ما حرَّمه الله قطُّ بأدنى الحيل.

يوضحه أن الربا نوعان: ربا الفضل، وربا النسيئة، فأما ربا الفضل فيمكنه في كل مال ربوي أن يقول: بعتك هذا المال بكذا، ويسمِّي ما شاء، ثم يقول:


(١) كذا في النسختين، وهو صواب. يقال: راوضَه على الأمر: داراه وخاتله حتى يُدخله فيه. وفي المطبوع: «يتراضيان».
(٢) في النسختين: «أن». والمثبت يقتضيه السياق.