للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اشتريتُ منك هذا ــ للذي هو من جنسه ــ بذلك الذي سمّاه، ولا حقيقة له مقصودة. وأما ربا النَّساء فيمكنه أن يقول: بعتك هذه الحريرة بألف درهم أو عشرين صاعًا إلى سنة، وابتعتها منك بخمسمائة حالة أو خمسة عشر صاعًا، ويمكنه ربا الفضل، فلا يشاء مُرْبٍ إلا أقرضه ثم حاباه في بيع أو إجارة أو غيرهما، ويحصل مقصوده من الزيادة.

فيا سبحان الله! أيعود الربا ــ الذي قد عظَّم الله شأنه في القرآن، وأوجب محاربة مستحلِّيه، ولعن آكله وموكِله وشاهديه وكاتبه، وجاء فيه من الوعيد ما لم يجئ في غيره ــ إلى أن يُستحَلَّ نوعاه بأدنى حيلةٍ لا كلفةَ فيها أصلًا إلا بصورة عقد هي عبث ولعب يُضحك منها ويُستهزأ بها؟ فكيف يستحسن أن يُنسب إلى نبي من الأنبياء فضلًا عن سيد الأنبياء، بل أن يُنسب رب العالمين إلى أن يحرِّم هذه المحرمات العظيمة ويُوعِد عليها بأغلظ العقوبات وأنواع الوعيد، ثم يبيحها بضرب من الحيل والعبث والخداع الذي ليس له حقيقة مقصودة في نفسه للمتعاقدين؟

وترى كثيرًا من المترابين ــ لما علم أن هذا العقد ليس له حقيقة مقصودة البتةَ ــ قد جعل عنده خرزةَ ذهب، فكل من جاءه يريد أن يبيعه جنسًا بجنسه أكثر منه أو أقلَّ ابتاع منه ذلك الجنس بتلك الخرزة، ثم ابتاع الخرزة بالجنس الذي يريد أن يعطيه إياه، أفيستجيز عاقل أن يقول: إن الذي حرَّم بيع الفضة بالفضة متفاضلًا أحلَّها بهذه الخرزة؟ وكذلك كثير من الفجّار قد أعدَّ سِلعة لتحليل ربا النَّساء، فإذا جاءه من يريد ألفًا بألف ومائتين أدخل تلك السلعة محلِّلا. ولهذا كانت أكثر حيل الربا في بابها أغلظ من حيل التحليل، ولهذا حرَّمها أو بعضها من لم يحرِّم التحليل؛ لأن القصد في البيع معتبر في فِطَر الناس، ولأن الاحتيال في الربا غالبًا إنما يتمُّ بالمواطأة اللفظية أو