للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك، وإذا تأملتَ المعاريض النبوية والسلفية وجدت عامتها من هذا النوع.

والثاني: أن يستعمل العام في الخاص والمطلق في المقيّد، وهو الذي يسمِّيه المتأخرون الحقيقة والمجاز، وليس يفهم أكثر من المطلق والمقيد؛ فإن لفظ الأسد والبحر والشمس عند الإطلاق له معنى، وعند التقييد له معنى يسمُّونه المجاز، ولم يفرِّقوا بين مقيّد ومقيّد ولا بين قيد وقيد. فإن قالوا: [٨٠/أ] «كل مقيَّدٍ مجاز» لزمهم أن يكون كل كلام مركب مجازًا؛ فإن التركيب يقيده بقيود زائدة على اللفظ المطلق. وإن قالوا: «بعض القيود يجعله مجازًا دون بعض» سُئلوا عن الضابط ما هو، ولن يجدوا إليه سبيلًا.

وإن قالوا: «يعتبر اللفظ المفرد من حيث هو مفرد قبل التركيب، وهناك يُحكم عليه بالحقيقة والمجاز».

قيل لهم: هذا أبعد وأشدُّ فسادًا؛ فإن اللفظ قبل العقد والتركيب بمنزلة الأصوات التي يَنْعِق بها ولا تفيد شيئًا، وإنما إفادتها بعد تركيبها، وأنتم قلتم: الحقيقة هي اللفظ المستعمل، وأكثركم يقول: استعمال اللفظ فيما وُضِع له أولًا، والمجاز بالعكس؛ فلا بدّ في الحقيقة والمجاز من استعمال اللفظ فيما وضع له (١)، وهو إنما يُستعمل بعد تركيبه، وحينئذٍ فتركيبه بعده بقيود يُفهم منها مراد المتكلم، فما الذي جعله مع بعض تلك القيود حقيقةً ومع بعضها مجازًا؟

وليس الغرض (٢) إبطال هذا التقسيم الحادث المبتدع المتناقض، فإنه


(١) «فيما وضع له» ليست في ز.
(٢) بعدها في ز: «ههنا»، وعليها خط يدلُّ على شطبها.