للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

باطل من أكثر من أربعين وجهًا (١)، وإنما الغرض التنبيه على نوعَي التعريض، وأنه تارةً يكون مع استعمال اللفظ في ظاهره، وتارةً يكون بإخراجه عن ظاهره، ولا يذكر المعرِّض قرينة تبيِّن مراده، ومن هذا النوع عامة التعريض في الأيمان والطلاق، كقوله: «كل امرأة له فهي طالق» وينوي في بلد كذا وكذا، أو ينوي فلانة. وقوله: «أنتِ طالق» وينوي من زوجٍ كان قبلَه ونحو ذلك؛ فهذا القسم شيء والذي قبله شيء، فأين هذا من قصد المحتال بلفظ العقد أو صورِته ما لم يجعله الشارع مقتضيًا له بوجهٍ بل جعله مقتضيًا لضدِّه؟

ولا يلزم من صلاحية اللفظ له إخبارًا صلاحيتُه له إنشاءً؛ فإنه لو قال: «تزوجتُ» في المعاريض وعنى نكاحًا فاسدًا كان صادقًا كما لو بيَّنه، ولو قال: «تزوجتُ» إنشاء وكان فاسدًا لم ينعقد، وكذلك في جميع الحيل؛ فإن الشارع لم يشرع القرض إلا لمن قصد أن يسترجع مثلَ قرضه، ولم يشرعه لمن قصد أن يأخذ أكثر منه لا بحيلة ولا بغيرها. وكذلك إنما شرع البيع لمن له غرضٌ في تمليك الثمن وتملُّك السلعة، ولم يشرعه قطُّ لمن قصد به ربا الفضل أو النَّساء ولا غرضَ له في الثمن ولا في السلعة، وإنما غرضهما الربا. وكذلك النكاح لم يشرعه إلا لراغب في المرأة، لم يشرعه لمحلِّل. وكذلك الخلع لم يشرعه إلا للمفتدية نفسَها من الزوج تتخلَّص منه من سوء العشرة، ولم يشرعه للتحيُّل على الحِنث قطُّ. وكذلك التمليك لم يشرعه الله


(١) ذكرها المؤلف في «الصواعق المرسلة»، ولم يصل إلينا هذا الجزء من أصله الذي فيه هذا المبحث، وانظر: «مختصر الصواعق» (٢/ ٧٠٠ وما بعدها) [ط. أضواء السلف] ففيه ذكر أكثر من خمسين وجهًا.