للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وضيَّق عليها، ومنعها ما كان حلالًا لها، وربما لم يبقَ له سبيل إلى عودها إليه. وكذلك جعل الله سبحانه الطلاق إلى الرجال، ولم يجعل للنساء فيه حظًّا؛ لنقصان عقولهن وأديانهن، [٩٠/ب] فلو جعله إليهن لكان فيه فساد كبير (١) تأباه حكمة الرب تعالى ورحمته بعباده (٢)، فكانت المرأة لا تشاء أن تستبدل بالزوج إلا استبدلت به، بخلاف الرجال؛ فإنهم أكمل عقولًا وأثبتُ، فلا يستبدل بالزوجة إلا إذا عِيلَ صبرُه. ثم إن الزوج قد يجعل طلاق امرأته بيدها، بأن يملِّكها ذلك أو يحلف عليها أن لا تفعل كذا، فتختار طلاقه متى شاءت، ويبقى الطلاق بيدها، وليس في هذا تغيير للشرع؛ لأنه هو الذي ألزم نفسه هذا الحرج بيمينه وتمليكه.

ونظير هذا ما قاله فقهاء الكوفة قديمًا وحديثًا: أنه لو قال: «كل امرأة أتزوجها فهي طالق» لم يمكنه أن يتزوج بعد ذلك امرأة، حتى قيل: إن أهل الكوفة أطبقوا على هذا القول، ولم يكن في ذلك تغيير للشريعة؛ فإنه هو الذي ضيَّق على نفسه ما وسَّع الله عليه.

ونظير هذا لو قال: «كل عبد أو أمة أملكهما فهما حران» لم يكن له سبيل بعد هذا إلى ملك رقيقٍ أصلًا، وليس في هذا تغيير للشرع، بل هو المضيِّق على نفسه، والضيق والحرج الذي يُدخِله المكلَّف على نفسه لا يلزم أن يكون الشارع (٣) قد شرعه له، وإن ألزمه به بعد أن ألزم نفسه. ألا ترى أن من كان معه ألف دينار فاشترى بها جارية فأولدها ثم ساءت


(١) ك: «كثير».
(٢) ك: «لعباده».
(٣) ك: «يلزم الشارع أن يكون».