للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما قولكم: «إن الأحكام تقبل النقل عن مواضعها فتتقدم وتتأخر» فتطويلٌ بلا تحصيل، وتهويلٌ بلا تفضيل، فهل تقبل النقل عن ترتُّبها على (١) أسبابها وموجباتها بحيث [٩٢/ب] يثبت الحكم بدون سببه ومقتضيه؟ نعم قد يتقدم ويتأخر وينتقل لقيام سبب آخر يقتضي ذلك، فيكون مرتَّبًا على سببه الثاني بعد انتقاله، كما كان مترتِّبًا (٢) على الأول قبل انتقاله، وفي كل من الموضعين هو مترتِّب على سببه، هذا في حكمه وذاك في محله.

وأما تنظيركم بنقل الأحكام وتقدُّمها على أسبابها بقوله: «أنتِ طالق قبل موتي بشهر» وقولكم (٣): إن نظيره في الحسّيات أن تقول: «إن زرتَني أكرمتُك قبل زيارتِك بشهر» = فوهمٌ أيضًا وإيهامٌ، فإن قوله: «أنتِ طالق قبل موتي بشهر» إنما تطلَّق إذا مضى شهر بعد هذه اليمين حتى يتبين وقوع الطلاق بعد إيقاعه، فلو مات قبل مضي شهر لم تَطْلُق على الصحيح؛ لأنه يصير بمنزلة أنتِ طالق عامَ الأول. وليس كذلك قوله: «إن زرتَني أكرمتك قبله بشهر»، فإن الطلاق حكم يمكن تقدير وقوعه قبل الموت، والإكرام فعل حسِّي لا يكون إكرامًا بالتقدير، وإنما يكون إكرامًا بالوقوع.

وأما استشهادكم بقوله: «أعتِقْ عبدك» فهو حجة عليكم؛ فإنه يستلزم تقدُّم المِلك التقديري على العتق الذي هو أثره وموجبه، والمِلك شرطه، ولو جاز تأخُّر الشرط لقدر الملك له (٤) بعد العتق، وهذا محال؛ فعلم أن


(١) ك: «عن».
(٢) ك: «مرتبا».
(٣) في النسخ: «وقوله»، والسياق يقتضي «وقولكم». وهي كذلك في المطبوع.
(٤) «له» ليست في ز.