للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثاني: اشتراطه عليه أن يَقِفَه على هذا الوجه، أو إذنه (١) له فيه. وهذا في المعنى توكيلٌ له في الوقف، كما أن اشتراطه حَجْرٌ عليه في التصرف بغير الوقف؛ فصار وجود هذا التمليك وعدمه سواءً، لم يملكه المملك ولا يمكنه التصرف فيه، ولو مات قبل وقفه لم يحلَّ لورثته أخذُه، ولو أنه أخذه ولم يقِفْه على صاحبه ولم يردَّه إليه عُدَّ ظالمًا غاصبًا (٢)، ولو تصرَّف فيه صاحبه بعد هذا التمليك لكان تصرفه فيه نافذًا كنفوذه قبله، هذا فيما بينه وبين الله تعالى، وكذلك في الحكم إن قامتْ بينة بأنهما (٣) تواطآ على ذلك وأنه إنما وهبه إياه بشرط أن يقِفَه عليه أو أقرَّ له بذلك.

فإن قيل: فهل عندكم أحسنُ من هذه الحيلة؟

قيل: نعم، أن يقفَه على الجهات التي يريد؛ ويستثني غلَّته ومنفعتَه لنفسه (٤) مدةَ حياته أو مدةً معلومة. وهذا جائز بالسنة الصحيحة والقياس الصحيح، وهو مذهب فقهاء أهل الحديث؛ فإنهم يجوِّزون أن يبيع الرجل الشيء أو يهبَه أو يُعتقَ العبد ويستثني بعضَ منفعة ذلك مدةً. ويجوِّزون أن يقف الشيءَ على غيره ويستثني بعضَ منفعته مدةً معلومة أو إلى حين موته. ويستدلُّون بحديث جابر (٥)، وبحديث عِتق أم سلمة سَفِينةَ (٦)، وبحديث


(١) ك، ب: «وإذنه».
(٢) ك، ب: «عاصيًا».
(٣) ز: «لأنهما».
(٤) «لنفسه» ليست في ز.
(٥) هو حديث شراء النبي - صلى الله عليه وسلم - لبعير جابر، وقد تقدم.
(٦) رواه أحمد (٢١٩٢٧، ٢٦٧١١) وأبوداود (٣٩٣٢) والنسائي في «الكبرى» (٤٩٧٦، ٤٩٧٧، ١١٧٤٦) وابن ماجه (٢٥٢٦) كلهم من طريق سعيد بن جمهان عن سفينة، وهذا إسناد حسن من أجل سعيد، وصححه الحاكم (٢/ ٢١٤)، وحسنه الألباني في «الإرواء» (١٧٥٢).