للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصحابة ــ أن تعليق العتق متى قصد به الحضّ أو المنع فهو يمينٌ، حكمه حكم اليمين بالحج والصوم والصدقة، وحكمُ ما لو قال: «إن رددته فعليَّ أن أُعتقه» بل أولى بعدم (١) العتق، فإن هذا نذر قربة، ولكن إخراجه مُخرَجَ اليمين منع لزوم الوفاء به، مع أن الالتزام به أكثر من الالتزام بقوله: «فهو حرٌّ»، فكلُّ ما في التزام قوله: «فهو حرٌّ» فهو داخل في التزام: «فعليَّ أن أُعتقه» ولا ينعكس، فإن قوله: «فعليَّ أن أُعتقه» يتضمَّن وجوبَ الإعتاق وفعلَ العتق ووقوعَ الحرية. فإذا منع قصد الحضّ أو المنع وقوع ثلاثة أشياء فلأن يمنع وقوع واحد منها أولى وأحرى. وهذا لا جواب عنه.

وهو مما يبيِّن (٢) فضل فقه الصحابة، وأن بين فقههم وفقهِ مَن بعدهم كما بينهم وبينهم، وحتى لو لم يصح ذلك عنهم لكان هذا محضَ القياس ومقتضى قواعد الشرع وأصوله من أكثر من عشرين وجهًا لا تخفى على متحرٍّ (٣) تتبعُها. ويكفي قول فقيه الأمة وحَبْرها وترجمان القرآن ابن عباس: «العتق ما ابتُغِي به وجهُ الله، والطلاق ما كان عن وَطَرٍ» (٤)، فتأمَّلْ هاتين الكلمتين الشريفتين الصادرتين عن علمٍ قد رسخ أسفله، وبَسَقَ (٥) أعلاه، وأينعَتْ ثمرته، وذُلِّلت للطالب قطوفُه، ثم حكِّم الكلمتين (٦) على أيمان


(١) ك: «يقدم»، تحريف.
(٢) ك: «بين».
(٣) ك: «مستحر». وفي المطبوع: «متبحر».
(٤) علَّقه البخاري (٩/ ٣٨٨ - مع الفتح)، ولم أجد مَن وصله. انظر: «تغليق التعليق» (٤/ ٤٥٥).
(٥) في النسخ: «سبق»، والمثبت من المطبوع. وبَسَق: زاد ارتفاعه.
(٦) كذا في النسخ وهو صواب، وفي المطبوع: «احكم بالكلمتين».