للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتأمَّلْ هذا الاستدلال، قال عبد الحق (١): أراد به ــ والله أعلم ــ حديث جابر في بيع المدبَّر.

ثم قال البخاري في هذا الباب نفسه: وقال مالك: إذا كان لرجلٍ على رجلٍ مالٌ، وله عبدٌ، لا شيء له غيره، فأعتقه، لم يجز عتقُه. ثم ذكر (٢) حديث: «من أخذَ أموالَ الناس يريد أداءَها أدَّاها الله عنه، ومن أخذَها يريد إتلافَها أتلَفَه الله».

وهذا الذي حكاه عن مالك هو في كتب أصحابه، قال ابن الجلّاب (٣): ولا يجوز هبة المفلس ولا عتقُه ولا صدقتُه إلا بإذن غُرمائه، وكذلك المِدْيان الذي لم يُفلسه غرماؤه في عتقه وهبته وصدقته.

وهذا القول هو الذي لا نختار غيره، وعلى هذا فالحيلة لمن تبرَّع غريمه بهبةٍ أو صدقة أو وقف أو عتق، وليس في ماله سعة له لدينه: أن يرفعه إلى حاكمٍ يرى بطلان هذا التبرع، ويسأله الحكمَ ببطلانه. فإن لم يكن في بلده حاكمٌ يحكم بذلك، فالحيلة أن يأخذ عليه إذا خاف منه ذلك الضمينَ أو الرهنَ، فإن بادر الغريم وتبرَّع قبل ذلك فقد ضاقت الحيلة على صاحب الحق، ولم يبقَ له غيرُ أمر واحد، وهو التوصُّل إلى إقراره بأن ما في يده أعيان أموال الغرماء، فيمتنع التبرُّع بعد الإقرار، فإن قدّم تاريخ الإقرار بطل التبرع المتقدّم أيضًا. وليست هذه حيلةً على إبطال حق ولا تحقيقِ باطل، بل


(١) في «الجمع بين الصحيحين» (٤/ ٤٢٦)، ونقله الحافظ في «الفتح» (٥/ ٧٢) مع التعقيب عليه، وبسط الكلام عليه في «النكت على ابن الصلاح» (١/ ٣٥٤ - ٣٦١).
(٢) لم يذكر البخاري الحديث في هذا الباب، بل رواه قبله بأبواب برقم (٢٣٨٧).
(٣) في «التفريع» (٢/ ٢٥٤).