للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالمضاربة، ومنهم من جوَّز بعض أنواع المساقاة والمزارعة، ومنهم من منع الجواز فيما إذا كان بعض الأصل يرجع إلى العامل كقفيز الطحّان، وجوّزه فيما إذا رجعت إليه الثمرة مع بقاء الأصل كالدَّر والنَّسل.

والصواب جواز ذلك كله، وهو مقتضى أصول الشريعة وقواعدها؛ فإنه من باب المشاركة التي يكون العامل فيها شريكَ المالك، هذا بماله، وهذا بعمله، وما رزق الله فهو بينهما. وهذا عند طائفة من أصحابنا أولى بالجواز من الإجارة، حتى قال شيخ الإسلام (١): هذه المشاركات أحلُّ (٢) من الإجارة. قال: لأن المستأجر يدفع ماله، وقد يحصل له مقصوده وقد لا يحصل، فيفوز المُؤجِر بالمال والمستأجر على الخطر، إذ قد يكمل الزرع وقد لا يكمل، بخلاف المشاركة؛ فإن الشريكين في الفوز وعدمه على السواء، إن رزق الله الفائدة كانت بينهما، وإن منعها استويا في الحرمان، وهذا غاية العدل؛ فلا تأتي الشريعة بحلِّ الإجارة وتحريم هذه المشاركات.

وقد أقرّ النبي - صلى الله عليه وسلم - المضاربة على ما كانت عليه قبل الإسلام، وضاربَ أصحابه في حياته وبعد موته، وأجمعت عليها الأمة، ودفع خيبر إلى اليهود يقومون عليها ويعمرونها من أموالهم بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع، وهذا كأنه رأيُ عينٍ، ثم لم ينسخه، ولم ينْهَ عنه، ولا امتنع منه خلفاؤه الراشدون وأصحابه بعده، بل كانوا يفعلون ذلك بأراضيهم وأموالهم، يدفعونها إلى من يقوم عليها بجزء مما يخرج منها، وهم مشغولون بالجهاد وغيره.


(١) انظر: «مجموع الفتاوى» (٢٠/ ٥٠٨ وما بعدها، ٢٨/ ٨٤ - ٨٥).
(٢) أي أولى بأن يكون حلالًا.