للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رهنِ عبد زيد غررٌ (١) قد يمكن وقد لا يمكن، بخلاف اشتراط رهن المبيع على ثمنه، فإنه إن تمَّ العقد صار المبيع رهنًا، وإن لم يتمَّ تبينَّا أنه لا ثمن يحبس عليه الرهن، فلا غررَ البتةَ؛ فالمنصوص أفقهُ وأصحُّ.

وهذا على أصل من يقول: «للبائع حبسُ المبيع على ثمنه» ألزمُ، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة، وأحد قولي الشافعي وبعض أصحاب الإمام أحمد. وهو الصحيح ــ وإن كان خلاف منصوص أحمد ــ لأن عقد البيع يقتضي استواءهما في التسلُّم والتسليم، ففي إجبار (٢) البائع على التسليم قبل حضور الثمن وتمكينِه من قبضه إضرارٌ به، فإذا ملكَ حبْسَه على ثمنه من غير شرطٍ فلأن يملكه مع الشرط أولى وأحرى. فقول القاضي وأصحابه مخالف لنصِّ أحمد وللقياس. فإن شرطَ أن يقبض المشتري المبيع ثم يرهنه على ثمنه عند بائعه فأولى بالصحة.

وقال ابن عقيل في «الفصول»: الرهن أيضًا باطلٌ؛ لأنهما شرطَا رهنه قبل ملكه، وقد عرفتَ ما فيه. وعلَّله أيضًا بتعليل آخر فقال: إطلاق البيع يقتضي تسليم الثمن من غير المبيع، والرهن يقتضي استيفاءه من عينه إن كان عينًا أو ثمنه إن كان عرضًا، فتضادَّا.

وهذا التعليل أقوى من الأول، وهو الذي أوجب له القول ببطلان الرهن قبل القبض وبعده، فيقال: المحذور من التضادّ إنما هو التدافع، بحيث يدفع كل من المتضادَّينِ المتنافيينِ الآخرَ، فأما إذا لم يدفع أحدهما الآخر فلا محذور، والبائع إنما يستحق ثمن المبيع، وللمشتري أن يؤدّيه إياه من عين


(١) «غرر» ليست في ك، ب.
(٢) ك: «خيار»، تحريف.