للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المبيع ومن غيره، فإن له أن يبيعه ويقبضه ثمنه منه. وغاية عقد الرهن أن يُوجب ذلك، فأيُّ تدافعٍ وأيُّ تنافٍ هنا؟

وأما قوله: «إطلاق العقد يقتضي التسليم للثمن من غير المبيع»، فيقال: بل إطلاقه يقتضي تسليم الثمن من أي جهة شاء المشتري، حتى لو باعه قفيزَ حنطةٍ بقفيزِ حنطة وسلَّمه إليه، [١٤٥/ب] ملكَ أن يوفِّيه إياه ثمنًا كما استوفاه مبيعًا، كما لو اقترض منه ذلك ثم وفّاه إياه بعينه.

ثم قال ابن عقيل: وقد قال الإمام أحمد في رواية بكر بن محمد عن أبيه (١): إذا حبس السلعة ببقية الثمن فهو غاصب، ولا يكون رهنًا إلا أن يكون شرط عليه في نفس البيع الرهنَ. فظاهرُ هذا أنه إن شرط كونَ المبيع رهنًا في حال العقد صحَّ. قال: وليس هذا الكلام على ظاهره ومعناه إلا أن يشرط عليه في نفس البيع رهنًا غير المبيع؛ لأن اشتراط رهنه (٢) اشتراطُ تعويقٍ للتسليم في المبيع.

قلت: ولا يخفى منافاة ما قاله لظاهر كلام الإمام أحمد، فإن كلام أحمد المستثنى والمستثنى منه في صورة حَبْس المبيع على ثمنه، فقال: «هو غاصب إلا أن يكون شرطَ عليه في نفس البيع الرهنَ» أي: فلا يكون غاصبًا بحبس السلعة بمقتضى شرطه. ولو كان المراد ما حمله عليه لكان معنى الكلام إذا حبس السلعة ببقية الثمن فهو غاصب إلا أن يكون قد شرط له رهنًا آخر غير المبيع يسلِّمه إليه. وهذا كلام لا يرتبط أوله بآخره، ولا يتعلَّق به، فضلًا عن أن يدخل في الأول ثم يستثنى منه، ولهذا جعله أبو البركات ابن


(١) انظر: «المغني» (٦/ ٥٠٣).
(٢) ز: «اشتراطه رهن». والمثبت من ك، ب.