للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكراهة، وخفَّت مؤنته عليهم، فحمله بعضهم على التنزيه، وتجاوز به آخرون إلى كراهة ترك الأولى. وهذا كثيرٌ جدًّا في تصرُّفاتهم؛ فحصل بسببه غلط عظيم على الشريعة وعلى الأئمة.

وقد قال الإمام أحمد (١) في الجمع بين الأختين بملك اليمين: أكرهه، ولا أقول: هو حرام. ومذهبه: تحريمه (٢)، وإنما تورَّع عن إطلاق لفظ التحريم لأجل قول عثمان (٣).

وقال أبو القاسم الخِرَقي (٤) فيما نقله عن أبي عبد الله: ويكره أن يتوضأ في آنية الذهب والفضة. ومذهبه أنه لا يجوز.

وقال في رواية أبي داود (٥): ويُستحَبُّ أن لا يدخل الحمامَ إلا بمئزر.


(١) في رواية ابن منصور (٤/ ١٥٥١): "لا أقول: إنه حرام، ولكن ينهى عنه". وانظر: "العدَّة" لأبي يعلى (٢/ ٣٨٤).
(٢) انظر: "مسائل أبي داود" (ص ٢٣٣)، و"المغني" (٩/ ٥٤١)، و"زاد المعاد" (٥/ ١١٥)، وقال شيخ الإسلام: "وأما أن يجعل عن أحمد أنه لا يحرِّم بل يكره، فهذا غلط عليه ومرجعه إلى الغفلة عن دلالة الألفاظ ومراتب الكلام". انظر: "اختيارات ابن اللحام" (ص ٢١٢).
(٣) رواه مالك (١٩٧٤)، والشافعي في "الأم" (٦/ ٦)، وعبد الرزاق في "المصنف" (١٢٧٢٨، ١٢٧٣٢)، وابن أبي شيبة (١٦٥١٢، ١٦٥١٩)، والدارقطني (٣٧٢٥)، والبيهقي (٧/ ١٦٣)، وهو صحيح.
(٤) في "مختصره" مع "المغني" (١/ ١٠١).
(٥) لم أجدها في مسائله، وأخشى أن تكون وهمًا من المصنف. فقد جاء فيها (ص ٢٠): "قلت لأحمد: صرتُ في موضع يومَ الجمعة، وليس معي إزار، وأنا عند نهر. أحبُّ إليك أن أغتسل أو أدَع؟ قال: إن لم يكن يراه أحد. قلتُ: لا يراه. قال: أرجو. ثم قال أحمد: يستحب أن لا يدخل الماء إلا بمئزر". وانظر: "الروايتين والوجهين" (٣/ ١٣٨). فالسياق كما ترى في دخول ماء النهر للاغتسال. أما دخول الحمام بلا مئزر فذكر شيخ الإسلام في الجواب عن سؤال أنه محرَّم باتفاق الأئمة، وذكر بعض الأحاديث الواردة في النهي عنه، ثم استطرد إلى حكم ستر العورة في الخلوة، فقال: "وقد كره غير واحد من العلماء كأحمد وغيره النزولَ في الماء بغير مئزر". انظر: "مجموع الفتاوى" (٢١/ ٣٣٦ - ٣٣٩). ولا شك أن هذه الكراهية ليست كراهية تحريم.