للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما قولكم: «إنه من المعلوم قطعًا أن الله قد شاء تكلُّمه بالطلاق، فقوله بعد ذلك إن شاء الله تحقيقٌ لما عُلِم أن الله قد شاءه» قد تقدم جوابه، وهو أن الله إنما شاء الطلاق المعلَّق، فمن أين لكم أنه شاء المنجَّز؟ ولم تذكروا عليه دليلًا.

وقولكم: «إنه بمنزلة قوله أنت طالق إن كان الله أذن في الطلاق أو أباحه، ولا فرقَ بينهما» فما أعظمَ الفرقَ بينهما وأَبْيَنَه (١) حقيقةً ولغةً! وذلك ظاهرٌ عن تكلُّف بيانه؛ فإن بيان الواضحات نوع من العِيِّ، بل نظير ذلك أن يقول: أنت طالق إن كان الله قد شاء تلفُّظي بهذا اللفظ؛ فهذا يقع قطعًا.

وأما قولكم: «إن الكفّارة أقوى من الاستثناء؛ لأنها ترفع حكم اليمين، والاستثناء يمنع عَقْدها، وإذا لم تدخل الكفارة في الطلاق والعتاق فالاستثناء أولى» فما أدْهَشَها (٢) من شبهةٍ! [١٥٨/أ] وهي عند التحقيق لا شيء؛ فإن الطلاق والعتاق إذا وقعا لم تؤثِّر فيهما الكفارة شيئًا، ولا يمكن حلُّهما بالكفارة، بخلاف الأيمان فإن حلَّها بالكفارة ممكن، وهذا تشريع شرعه شارع الأحكام هكذا، فلا يمكن تغييره؛ فالطلاق والعتاق لا يقبل الكفارة، كما لم تقبلها سائر العقود كالوقف والبيع والهبة والإجارة والخلع، فالكفارة مختصة بالأيمان، وهي من أحكامها التي لا تكون لغيرها.

وأما الاستثناء فيُشرع في أعمَّ من اليمين، كالوعد والوعيد والخبر عن


(١) كذا في النسخ، وهو الصواب. و «أبين» معطوف على «أعظم». وفي المطبوع: «وبينه».
(٢) كذا في النسخ، صيغة التعجب من دَهَشَ بمعنى حيَّر. وفي المطبوع: «أوهنها».