للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المستقبل، كقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون» (١)، وقوله عن أمية بن خَلَف: «بل أنا أقتلُه إن شاء الله» (٢)، وكذا الخبر عن الحال نحو «أنا مؤمن إن شاء الله»، ولا تدخل الكفارة في شيء من ذلك، فليس بين الاستثناء والتكفير تلازمٌ. بل تكون الكفارة حيث لا استثناء، والاستثناء حيث لا كفارة، والكفارة شُرِعت تحلَّةً لليمين بعد عقدها، والاستثناء شُرِع لمعنى آخر، وهو تأكيد التوحيد، وتعليق الأمور بمشيئة من لا يكون شيء إلا بمشيئته؛ فشُرِع للعبد أن يفوِّض الأمر الذي عزم عليه وحلفَ على فعْلِه أو تركِه إلى مشيئة الله؛ ويَعقِد نطقه بذلك، فهذا شيء، والكفارة شيء آخر.

وأما قولكم: «إن الاستثناء إن كان رافعًا فهو رافعٌ لجملة المستثنى منه فلا يرتفع» فهذا كلام عارٍ عن التحقيق؛ فإن هذا ليس باستثناء بأداة «إلا» وأخواتها التي يخرج بها بعض المذكور ويبقى بعضه حتى يلزم ما ذكرتم، وإنما هو شرط ينتفي المشروط عند انتفائه كسائر الشروط. ثم كيف يقول هذا القائل في قوله: «أنتِ طالق إن شاء زيد اليوم» ولم يشأ؟ فموجب دليله أن هذا لا يصح.


(١) رواه مسلم (٢٤٩) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، ورواه أيضًا (٩٧٤) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
(٢) رواه عبد الرزاق في «التفسير» (٣/ ٦٨) متصلًا من طريق عثمان الجزَري عن مِقسم مولى ابن عباس عن ابن عباس، وعثمان ضعيف. ورواه عبد الرزاق في «المصنف» (٩٧٣١) مرسلًا دون ذكر ابن عباس، وله شاهد مرسل عند ابن هشام في «السيرة» (٣/ ٣٢) عن صالح بن عبد الرحمن، وشاهد آخر عند البيهقي في «الدلائل» (٣/ ٢١١) من مرسل الزهري.