فإن قيل: فلو أخرجه بأداة «إلا» فقال: «أنت طالق إلا أن يشاء الله» كان رفعًا لجملة المستثنى منه.
قيل: هذه مَغْلَطَة (١) ظاهرة؛ فإن الاستثناء هاهنا ليس إخراج جملة ما تناوله المذكور ليلزم ما ذكرت، وإنما هو تقييد لمطلق الكلام الأول بجملة أخرى مخصِّصة لبعض أحوالها، أي: أنت طالق في كل حالة إلا حالة واحدة، وهي حالة لا يشاء الله فيها الطلاق، فإذا لم يقع منه طلاق بعد هذا عَلِمْنا بعدم وقوعه أن الله سبحانه لم يشأ الطلاق؛ إذ لو شاءه لوقع. ثم ينتقض هذا بقوله «إلا أن يشاء زيد» و «إلا أن تقومي» ونحو ذلك؛ فإن الطلاق لا يقع إذا لم يشأه زيد وإذا لم تَقُم.
وسُمِّي هذا التعليقُ بمشيئة الله استثناءً في لغة الشارع، كقوله تعالى: {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (١٧) وَلَا يَسْتَثْنُونَ} [القلم: ١٧ - ١٨]، أي: لم يقولوا إن شاء الله؛ فمن حلف فقال «إن شاء الله» فقد استثنى؛ فإن الاستثناء استفعال من ثَنَيْتُ الشيء، فالمستثني بإلّا قد عاد على كلامه فثَنَى آخرَه على أوله بإخراج ما أدخله أولًا في لفظه. وهكذا التقييد بالشرط سواء؛ فإن المتكلم به قد ثَنَى آخر كلامه على أوله فقيَّد به ما أطلقه أولًا، وأما تخصيص الاستثناء بإلا وأخواتها فعُرفٌ خاص للنحاة.
وقولكم: «إن كان [١٥٨/ب] شرطًا ومرادُه به إن كان الله قد شاء طلاقك فينفذ لمشيئة الله بمشيئته لسببه، وهو الطلاق المذكور، وإن أراد به إن شاء الله أن أطلِّقك في المستقبل فقد علَّقه بما لا سبيلَ إلى العلم به، فيلغو التعليق
(١) كذا في النسخ وهو صواب. وغيَّره في المطبوع إلى «مغالطة».