للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويبقى أصل الطلاق»، فهذا هو أكبر عمدة المُوقِعين، ولا ريبَ أنه إن أراد بقوله أنت طالق إن كان الله قد شاء تكلُّمي بهذا اللفظ أو شاء طلاقك بهذا اللفظ طلُقتْ، ولكن المستثني لم يُرِد هذا، بل ولا خطَرَ على باله، فبقي القسم الآخر، وهو أن يريد إن شاء الله وقوع الطلاق عليك فيما يأتي، فهذا تعليق صحيح معقول يمكن العلم بوجود ما علّق عليه بوجود سببه، كما تقدم بيانه.

وأما قولكم: «إنه علّق الطلاق بما لا يخرج عنه كائن، فوجب نفوذُه، كما لو قال: أنت طالق إن علِمَ الله أو إن قدَّر أو سمِعَ ــ إلى آخره» فما أبطَلَها من حجة! فإنها لو صحَّت لبطلَ حكم الاستثناء في الأيمان لِما ذكرتموه بعينه، ولَما نفع الاستثناء في موضع واحد، ومعلوم أن المستثني لم يخطر هذا على باله، وإنما أراد تفويضَ الأمر إلى مشيئة الله وتعليقه به، وأنه إن شاءه نفذَ، وإن لم يشأه لم يقع، ولذلك كان مستثنيًا، أي: وإن كنت قد التزمتُ اليمين أو الطلاق أو العتاق فإنما ألتزمُه بعد مشيئة الله وتبعًا لها، فإن شاءه فهو سبحانه ينفذه بما يُحدثِه من الأسباب، ولم يُرِد المستثني إن كان لله مشيئة أو علمٌ أو سمعٌ أو بصرٌ فأنت طالق، ولم يخطر ذلك بباله البتةَ.

يوضحه: أن هذا مما لا يقبل التعليق، ولا سيما بأداة «إنْ» التي هي للجائز الوجود والعدم، ولو شكّ في هذا لكان ضالًّا، بخلاف المشيئة الخاصة، فإنها يمكن أن تتعلَّق بالطلاق وأن لا تتعلَّق به، وهو شاكٌّ فيها كما يشكُّ العبد فيما يمكن أن يفعله الله به وأن لا يفعله هل شاءه أم لا؟ فهذا هو المعقول الذي في فِطَرِ الحالفين والمستثنين.

وحذفُ مفعول المشيئة لم يكن لِما ذكرتم، وهو عدم إرادة مفعول