للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معين، بل للعلم به، ودلالةِ الكلام عليه ومعنَى (١) إرادته؛ إذ المعنى: إن شاء الله طلاقك فأنت طالق، كما لو قال: «والله لأسافرنَّ إن شاء الله» أي: إن شاء سفري، وليس مراده إن كان لله صفة هي المشيئة؛ فالذي قدَّرتموه من المشيئة المطلقة هو الذي لم يخطر ببال الحالف والمطلِّق، وإنما الذي لم يخطر بباله سِواه هو المشيئة المعينة الخاصة.

قولكم: «إن المستثني لو سئل عما أراد لم يُفصِح بالمشيئة الخاصة، بل تكلم بلفظ الاستثناء بناء على ما اعتاده الناس من التكلُّم بهذا اللفظ» كلام غير سديد، فإنه لو صحَّ لما نفع الاستثناء في يمين قطُّ، ولهذا نقول: إن قصَدَ التحقيق والتأكيد بذكر المشيئة تنجَّز الطلاق، ولم يكن ذلك استثناء.

قولكم: «إن الاستثناء بابه الأيمان» إن أردتم به اختصاصَ الأيمان به فلم تذكروا على ذلك دليلًا. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من حلفَ فقال إن شاء الله فقد استثنى»، وفي لفظ آخر: «من حلفَ [١٥٩/أ] فقال إن شاء الله فهو بالخيار؛ إن شاء فعل، وإن شاء لم يفعل» (٢) فحديث حسن، ولكن لا يوجب اختصاص الاستثناء بالمشيئة باليمين، وقد قال تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: ٢٣ - ٢٤]، وهذا ليس بيمين.

ويُشرع الاستثناء في الوعد والوعيد والخبر عن المستقبل، كقوله: غدًا أفعلُ إن شاء الله، وقد عتبَ الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - حيث قال لمن سأله من أهل


(١) كذا في النسخ. وفي المطبوع: «وتعين».
(٢) اللفظ الأول لأبي داود (٣٢٦١)، والثاني ملفق من لفظ أحمد والبيهقي (٧/ ٣٦١). وقد تقدم تخريج الحديث مستوفى (ص ٤٨٥)، ولفظه هناك: «مَن حلف على يمين فقال: إن شاء الله [فقد استثنى] فلا حنث عليه»، وهو لفظ الترمذي (١٥٣١).