الكتاب عن أشياء:«غدًا أُخبِركم»، ولم يقل إن شاء الله، فاحتبس الوحيُ عنه شهرًا، ثم نزل عليه: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} (١) أي: إذا نسيتَ ذكْرَه بالاستثناء عقيبَ كلامك فاذكُره به إذا ذكرتَ. هذا معنى الآية، وهو الذي أراده ابن عباس بصحة الاستثناء المتراخي، ولم يقل ابن عباس قطُّ ولا مَن هو دونه: إن الرجل إذا قال لامرأته: «أنت طالق» أو لعبده: «أنت حر» ثم قال بعد سنة «إن شاء الله» = إنها لا تطلُق ولا يُعتق العبد. وأخطأَ من نقلَ ذلك عن ابن عباس، أو عن أحد من أهل العلم البتةَ، ولم يفهموا مراد ابن عباس. والمقصود أن الاستثناء لا يختصُّ باليمين، لا شرعًا ولا عرفًا ولا لغةً، وإن أردتم بكونِ بابه الأيمان كثرتَه فيها؛ فهذا لا ينفي دخوله في غيرها.
قولكم:«إنه لا يدخل في الإخبارات ولا في الإنشاءات، فلا يقال: قام زيد إن شاء الله، ولا قُمْ إن شاء الله, ولا بعتُ إن شاء الله, فكذا لا يدخل في قوله: أنت طالق إن شاء الله» فليس هذا بتمثيل صحيح، والفرق بين البابين أن الأمور الماضية قد عُلم أنها وقعت بمشيئة الله، والشرط إنما يؤثّر في الاستقبال، فلا يصح أن يقول: قمت أمسِ إن شاء الله، فلو أراد الإخبار عن وقوعها بمشيئة الله أتى بغير صيغة الشرط، فيقول: فعلتُ كذا بمشيئة الله وعونه وتأييده، ونحو ذلك، بخلاف قوله: غدًا أفعلُ إن شاء الله. وأما قوله:«قُمْ إن شاء الله» و «لا تقُمْ إن شاء الله» فلا فائدة في هذا الكلام؛ إذ قد عُلِم أنه لا يفعل إلا بمشيئة الله، فأيُّ معنى لقوله: إن شاء الله لك القيام فقُمْ، وإن لم
(١) لم أجده مسندًا، وذكره مقاتل في «التفسير» (٢/ ٥٧٦) وابن أبي حاتم (٧/ ٢٣٥٥) وابن جرير (١٥/ ٢٢٨).