نعم لو أرادَ بقوله قُمْ أو لا تقُمْ الخبرَ، وأخرجه مُخرَجَ الطلب تأكيدًا، أي: تقوم إن شاء الله، صحَّ ذلك، كما إذا قال: مُتْ على الإسلام إن شاء الله، ولا تمُتْ إلا على توبة إن شاء الله، ونحو ذلك. وكذا إذا أراد بقوله «قم إن شاء الله» ردَّ المشيئة إلى معنى خبري، أي: ولا تقوم إلا أن يشاء الله؛ فهذا صحيح مستقيم لفظًا ومعنى. وأما «بعتُ إن شاء الله، واشتريتُ إن شاء الله» فإن أراد به التحقيق صح وانعقد العقد، وإن أراد به التعليق لم يكن المذكور إنشاء، وتنافَى الإنشاء والتعليق؛ إذ زمنُ الإنشاء يقارن وجود معناه، وزمنُ وقوع المعلَّق يتأخَّر عن التعليق، فتنافَيَا.
وأما قولكم:«إن هذا الطلاق المعلَّق على المشيئة إما أن يريد طلاقًا ماضيًا أو مقارنًا أو مستقبلًا ــ إلى آخره» فجوابه [١٥٩/ب] ما قد تقدَّم مرارًا أنه إن أراد به ردَّ المشيئة إلى هذا اللفظ المذكور، وأن الله إن كان قد شاءه فأنت طالق= طلقتْ، ولا ريبَ أن المستثني لم يُرِد هذا، وإنما أراد أن لا يقع الطلاق، فردّه إلى مشيئة الله، وأن الله إن شاءه بعد هذا وقع، فكأنه قال: لا أريد طلاقك، ولا أرَبَ لي فيه إلا أن يشاء الله ذلك فينفُذُ رضيتُ أم سخطتُ، كما قال نبي الله شعيب:{وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا}[الأعراف: ٨٩] أي: نحن لا نعود في ملتكم، ولا نختار ذلك، إلا أن يشاء الله ربنا شيئًا فينفُذ ما شاءه. وكذلك قال إبراهيم:{وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا}[الأنعام: ٨٠] أي: لا يقع بي من مَخُوفٍ من جهة آلهتكم أبدًا، إلا أن يشاء ربي شيئا فينفُذ ما شاءه. فردَّ الأنبياء ما أخبروا أنه لا يكون إلى مشيئة الرب تعالى وإلى علمه استدراكًا