للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا ريبَ أن هذا أفقهُ وأصحُّ من قول من اشترط نيته مع الشروع في اليمين؛ فإن هذا القول موافق للسنة الصحيحة فعلًا من النبي - صلى الله عليه وسلم - وحكايةً عن أخيه سليمان أنه لو قال: «إن شاء الله» بعدما حلف وذكَّره الملَك كان نافعًا له، وموافقًا (١) للقياس ومصالح العباد ومقتضى الحنيفية السمحة. ولو اعتبر ما ذكر من اشتراط النية في أول الكلام والاتصال الشديد لزالت رخصة الاستثناء، وقلَّ من انتفع بها إلا من قد درسَ على هذا القول وجعله منه على بالٍ.

وقد ضيَّق بعض المالكية (٢) في ذلك فقال: لا يكون الاستثناء نافعًا إلا وقد أراده صاحبه قبل أن يتمِّم اليمين، كما قال بعض الشافعية. وقال ابن الموَّاز (٣): شرط نفعه أن يكون مقارنًا، ولو لآخر حرفٍ من حروف اليمين.

ولم يشترط مالك شيئًا من ذلك، بل قال [١٦٠/ب] في «موطئه» ــ وهذا لفظ رواية عبد الله بن يوسف (٤) ــ: أحسن ما سمعتُ في الثُّنيا في اليمين أنها لصاحبها ما لم يقطَعْ كلامه، وما كان نَسَقًا يتبع بعضه بعضًا قبل أن يسكت، فإذا سكتَ وقطع كلامه فلا ثُنيا له. انتهى.

ولم أرَ عن أحدٍ من الأئمة قطُّ اشتراطَ النية مع الشروع ولا قبل الفراغ، وإنما هذا من تصرُّف الأتباع.


(١) كذا بالنصب في النسختين ز، ك. والأولى الرفع عطفًا على «موافق للسنة».
(٢) هو القاضي أبو إسحاق كما في «عقد الجواهر الثمينة» (١/ ٥١٩).
(٣) المصدر السابق.
(٤) وكذا في رواية يحيى بن يحيى الليثي (٢/ ٤٧٧).