للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يتناوله يمينه، ولم يقصد منع نفسه منه.

يوضِّحه أن الله سبحانه قد رفع (١) المؤاخذة عن المخطئ والناسي والمكره، فإلزامه بالحنث أعظمُ مؤاخذةً لما تجاوز الله عن المؤاخذة به، كما أنه سبحانه لما تجاوز للأمة عما حدَّثتْ به أنفسها [١٦٢/أ] لم تتعلق به المؤاخذة في الأحكام.

يوضِّحه أن فعل الناسي والمخطئ بمنزلة فعل النائم في عدم التكليف به، ولهذا هو عفْوٌ لا يكون به مطيعًا ولا عاصيًا.

يوضِّحه أن الله سبحانه إنما رتّب الأحكام على الألفاظ؛ لدلاتها على قصدِ المتكلم بها وإرادتِه، فإذا تيقَّنَّا أنه قصد كلامها، ولم يقصد معانيها، ولم يقصد مخالفة ما التزمه ولا الحنث، فإن الشارع لا يُلزِمه بما لم يقصده، بل قد رفع المؤاخذة عنه بما لم يقصده من ذلك.

يوضِّحه أن اللفظ دليل على القصد، فاعتُبِر لدلالته عليه، فإذا علمنا يقينًا خلافَ المدلول لم يجزْ أن نجعله دليلًا على ما تيقّنا خلافه.

وقد رفع الله المؤاخذة عن قتل المسلم المعصوم بيده مباشرةً إذا لم يقصد قتله بل قتله خطأً، ولم يُلزِمه شيئًا من ديته، بل حمَّلها غيرَه، فكيف يؤاخذه بالخطأ والنسيان في باب الأيمان؟ هذا من الممتنع على الشارع.

وقد رفع النبي - صلى الله عليه وسلم - المؤاخذة عمن أكل أو شرب في نهار رمضان ناسيًا لصومه (٢)، مع أن أكله وشربه فعلٌ لا يمكن تداركُه، فكيف يؤاخِذه بفعل


(١) ك: «دفع».
(٢) كما في حديث أبي هريرة الذي رواه البخاري (١٩٣٣) ومسلم (١١٥٥).