المحلوف عليه ناسيًا ويطلّق عليه امرأته ويُخرِب بيته ويشتِّت شَمْلَه وشمْلَ أولاده وأهله، وقد عفا له عن الأكل والشرب في نهار الصوم ناسيًا؟
وقد عفا عمّن أكل أو شرب في نهار الصوم عمدًا غير ناسٍ لمَّا تأوَّل الخيط الأبيض والأسود بالحبلين المعروفين، فجعل يأكل حتى تبينَا له وقد طلع النهار، وعفا له عن ذلك (١)، ولم يأمره بالقضاء لتأويله، فما بال الحالف المتأول لا يُعفَى له عن الحنث، بل يخرب بيته، ويفرِّق بينه وبين حبيبته، ويشتِّت شملَه كل مشتَّت؟
وقد عفا عن المتكلم في صلاته عمدًا، ولم يأمره بالإعادة لما كان جاهلًا بالتحريم لم يتعمَّد مخالفة حكمه، فألغى كلامه، ولم يجعله مُبطِلًا للصلاة، فكيف لا يَقتِدي به ويُلغي قولَ الجاهل وفعلَه في باب الأيمان ولا يُحنِّثه كما لم يؤثِّمه الشارع؟
وإذا كان قد عفا عمن قدَّم شيئًا أو أخَّره من أعمال المناسك من الحلق والرمي والنحر نسيانًا فلم يؤاخذه بترك ترتيبها نسيانًا، فكيف يحنث من قدَّم ما حلف على تأخيره أو أخَّر ما حلف على تقديمه ناسيًا أو جاهلا؟
وإذا كان قد عفا عمن حمل القذَرَ في الصلاة ناسيًا أو جاهلًا به، فكيف يؤاخذ الحالف ويحنث به؟ وكيف تكون أوامر الرب تعالى ونواهيه دون ما التزمه الحالف بالطلاق والعتاق؟ وكيف يحنِّث الشارعُ من لم يتعمَّد الحنث؟ وهل هذا إلا بمنزلة تأثيمه مَن لم يتعمد الإثم وتكفيره من لم يتعمد
(١) كما في حديث عدي بن حاتم الذي رواه البخاري (١٩١٦) ومسلم (١٠٩٠)، وحديث سهل بن سعد الذي رواه البخاري (١٩١٧) ومسلم (١٠٩١).