للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو محمد الجويني: ولو حلف ليشربنَّ ما في هذه الإداوة غدًا فأُرِيقَ قبل الغد بغير اختياره فعلى قولي الإكراه، قال: والأولى أن لا يحنث، وإن حنَّثنا المُكْرَه لعجزِه عن الشرب وقدرةِ المكره على الامتناع.

فجعل الشيخ أبو محمد العاجز أولى بالعذر من المكره، وسوَّى غيره بينهما، ولا ريبَ أن قواعد الشريعة وأصولها تشهد لهذا القول؛ فإن الأمر والنهي من الشارع نظير الحض والمنع في اليمين، وكما أن أمره ونهيه مَنوطٌ بالقدرة فلا واجبَ مع عجزٍ ولا حرامَ مع ضرورةٍ، فكذلك الحضّ والمنع في اليمين إنما هو مقيَّد بالقدرة.

يوضحه أن الحالف يعلم سرَّ نفسه أنه لم يلتزم فعل المحلوف عليه مع العجز عنه، وإنما التزمه مع قدرته عليه، ولهذا لم يحنث المغلوب على الفعل بنسيان أو إكراه، ولا من لا قصد له إليه كالمغمى عليه وزائل العقل، وهذا قول جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنفية، وهو مقتضى أصول الإمام أحمد، وإن كان المنصوص عنه خلافه، فإنه قال في رواية ابنه صالح (١): إذا حلف أن يشرب هذا الماء الذي في هذا الإناء فانصبَّ فقد حنث، ولو حلف أن يأكل رغيفًا فجاء كلب فأكله فقد حنث؛ لأن هذا لا يقدر عليه.

وقال في رواية جعفر بن محمد: إذا حلف الرجل (٢) على غريمه أن لا يفارقه حتى يستوفي منه ماله، فهرب منه مخاتلةً، فإنه يحنث.


(١) «مسائله» (٢/ ٣٢٣).
(٢) ك، ب: «رجل».