للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فذهب إلى بيته وتغدَّى مع أهله لا يحنث. وكذلك إذا قال الرجل لغيره: كُلْ مع فلان، فقال: والله لا آكل.

ثم ذكر تقرير ذلك بأنه جواب لقول الآمر له، والجواب كالمعاد في السؤال؛ فإنه يتضمن ما فيه. قال: وليس كابتداء اليمين؛ لأن كلامه لم يخرج جوابًا بالتقييد، بل خرج ابتداءً وهو مطلق عن القيد، فينصرف إلى كل غداء. قال: وإذا قال لغيره: كلِّم لي زيدًا اليوم في كذا، فقال: والله لا أكلِّمه، فهذا يختصُّ باليوم؛ لأنه خرج جوابًا عن الكلام السابق. وعلى هذا إذا قال: ائْتِني اليوم، فقال: امرأته طالق إن أتاك.

وقد صرَّح أصحاب أبي حنيفة بأن النية تعمل في اللفظ لتعيين ما احتمله اللفظ؛ فإذا تعيَّن باللفظ ولم يكن اللفظ محتملًا لما نوى لم تؤثِّر النية فيه؛ فإنه حينئذٍ يكون الاعتبار بمجرد النية، ومجرد النية لا أثر لها في إثبات الحكم؛ فإذا احتملها اللفظ فعيَّنتْ بعض محتملاتِه أثَّرت حينئذٍ.

قالوا: ولهذا لو قال: «إن لبستُ ثوبًا أو أكلتُ طعامًا أو شربتُ شرابًا أو كلَّمتُ امرأةً فامرأته (١) طالق»، ونوى ثوبًا أو طعامًا أو شرابًا أو امرأةً معينًا، دُيِّنَ فيما بينه وبين الله، وقُبِلت نيته بغير خلاف، ولو حذف المفعول واقتصر على الفعل فكذلك عند أبي يوسف في رواية عنه والخصَّاف، وهو قول الشافعي وأحمد [١٧٠/ب] ومالك.

والمقصود أن النية تؤثِّر في اليمين تخصيصًا وتعميمًا، وإطلاقًا وتقييدًا، والسبب يقوم مقامها عند عدمها، ويدلُّ عليها، فيؤثِّر ما تؤثِّره. وهذا هو الذي


(١) كذا في النسخ. وفي المطبوع: «فامرأتي».