للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

زوال الظلم؛ لأنه نذر لله أن لا يدخلها، وأكَّد نذره باليمين، والنذر قربة، فقد نذر التقرُّب إلى الله بهجران ذلك البلد؛ فيلزمه الوفاء بما نذره.

هذا هو الذي فهمه الإمام أحمد، وأجاب به السائل حيث قال: «النذر يُوفي به»؛ ولهذا منع النبي - صلى الله عليه وسلم - المهاجرين من الإقامة بمكة بعد قضاء نُسكهم فوق ثلاثة أيام (١)؛ لأنهم تركوا ديارهم لله، فلم يكن لهم العود فيها، وإن زال السبب الذي تركوها لأجله. وذلك نظير مسألة ترك البلد للظلم والفواحش التي فيه إذا نذره الناذر. فهذا سِرُّ جوابه، وإلا فمذهبه الذي عليه نصوصه وأصوله: اعتبارُ النية والسبب في اليمين، وحمْلُ كلام الحالف على ذلك، وهذا في نصوصه أكثر من أن نذكره، فلينظر فيها.

وأما مذهب أصحاب أبي حنيفة فقال في كتاب «الذخائر» (٢) في كتاب الأيمان: الفصل السادس في تقييد الأيمان المطلقة بالدلالة، إذا أرادت المرأة الخروج من الدار فقال الزوج: «إن خرجتِ فأنت طالق»، فجلست ساعة ثم خرجت، لا تطلَّق. وكذلك لو (٣) أراد رجل أن يضربه فحلف آخر أن ضربَه (٤)، فهذا على تلك الضربة، حتى لو مكث ساعة ثم ضربه لا يحنث، ويسمَّى هذا يمين الفور، وهذا لأن الخرجة التي قصد والضربة التي قصد هي المقصودة بالمنع منها عرفًا وعادةً؛ فيتعين ذلك بالعرف والعادة. وإذا دخل الرجل على رجلٍ فقال: تعالَ تغدَّ معي، فقال: والله لا أتغدَّى،


(١) تقدم تخريجه.
(٢) انظر أصله «المحيط البرهاني» (٦/ ٩٠).
(٣) ك، ب: «إذا».
(٤) كذا في النسخ. وفي المطبوع: «أن لا يضربه».