للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للفارق أولى من الجمع رعايةً للجامع.

وأما قوله: {بِإِحْسَانٍ} فليس المراد به أن يجتهد، وافق أو خالف؛ لأنه إذا خالف لم يتبعهم فضلًا عن أن يكون بإحسان، ولأن مطلق الاجتهاد ليس فيه اتباعٌ لهم، لكن الاتباع لهم اسم يدخل فيه كل من وافقهم في الاعتقاد والقول، فلا بدَّ مع ذلك أن يكون المتبع محسنًا بأداء الفرائض واجتناب المحارم؛ لئلّا يقع الاغترار بمجرد الموافقة قولًا.

وأيضًا فلا بدَّ أن يُحسِن المتبع لهم القولَ فيهم، ولا يقدحُ فيهم اشتراطُ (١) اللهِ ذلك، لعلمه بأن سيكون أقوام ينالون منهم. وهذا مثل قوله بعد أن ذكر المهاجرين والأنصار: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا} [الحشر: ١٠].

وأما تخصيص اتباعهم بأصول الدين دون فروعه فلا يصح؛ لأن الاتباع عام، ولأن من اتبعهم في أصول الدين فقط لو كان متبعًا لهم على الإطلاق لكنّا متَّبعين للمؤمنين من أهل الكتابين (٢)، ولم يكن فرقٌ بين اتباع السابقين من هذه الأمة وغيرها.

وأيضًا فإنه إذا قيل «فلان يتبع فلانًا، واتبع فلانًا، وأنا متبعٌ فلانًا»، ولم يقيَّد ذلك بقرينة لفظية ولا حالية فإنه يقتضي اتباعه في كل الأمور التي يتأتَّى [١٧٦/أ] فيها الاتباع؛ لأن من اتبعه في حال وخالفه في حالٍ أخرى لم يكن


(١) كذا في النسخ، وهو فاعل «لا يقدح». وفي «تنبيه الرجل»: «اشترط».
(٢) ز: «أهل الكتاب». والمثبت من ك موافق لما في «تنبيه الرجل».