للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحينئذٍ فسواء سُمِّي (١) تقليدًا أو اجتهادًا.

وأيضًا فإن كان تقليد العالم للعالم حرامًا ــ كما هو قول الشافعية والحنابلة ــ فاتباعهم ليس بتقليد لأنه مَرضيٌّ، وإن كان تقليدهم جائزًا أو كان تقليدهم مستثنًى من التقليد المحرَّم فلم يقل أحد إنّ تقليد العلماء من موجبات الرضوان؛ فعُلِم أن تقليدهم خارج عن هذا، لأن تقليد العالم وإن كان جائزًا فتركُه إلى قول غيره أو إلى اجتهادٍ جائزٌ أيضًا بالاتفاق، والشيء المباح لا يستحقُّ به الرضوان.

وأيضًا فإن رضوان الله غايةُ المطالب، لا يُنال إلا بأفضل الأعمال، ومعلوم أن التقليد الذي يجوز خلافه ليس بأفضل الأعمال، بل الاجتهاد أفضلُ منه، فعُلِم أن اتباعهم هو أفضل ما يكون في مسألةٍ (٢) اختلفوا فيها هم ومَن بعدهم، وأن اتباعهم دون مَن بعدهم هو الموجب لرضوان الله؛ فلا ريبَ أن رجحان أحد القولين يوجب اتباعه بلا شك، ومسائل الاجتهاد لا يتخيَّر الرجل فيها بين القولين.

وأيضًا فإن الله أثنى على الذين اتبعوهم بإحسان، والتقليد وظيفة العامة، فأما العلماء فإما أن يكون مباحًا لهم أو محرَّمًا؛ إذ الاجتهاد أفضلُ منه لهم بغير خلاف، أو هو واجب عليهم، فلو أُريد باتباعهم التقليدُ الذي يجوز خلافه لكان للعامة في ذلك النصيبُ الأوفى، وكان حظُّ علماء الأمة من هذه الآية أبخسَ الحظوظ، ومعلومٌ أن هذا فاسد.


(١) في المطبوع: «يسمى» خلاف النسخ و «التنبيه».
(٢) ك: «المسألة».