للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اتخذهم عبيدَه وأولياءه وأحبابه، وآثرهم بذلك على من سواهم.

ثم أخبرهم سبحانه أنه يسَّر عليهم دينه (١) غايةَ التيسير، ولم يجعل عليهم فيه من حرج البتةَ لكمال محبته لهم ورأفته ورحمته وحنانه بهم، ثم أمرهم بلزوم ملة إمام الحنفاء أبيهم إبراهيم، وهي إفراده سبحانه وحده بالعبودية والتعظيم والحب والخوف والرجاء والتوكل والإنابة والتفويض والاستسلام؛ فيكون تعلُّق ذلك من قلوبهم به وحده لا بغيره (٢).

ثم أخبر سبحانه أنه نوَّه بهم وأثنى عليهم قبل وجودهم، وسمّاهم عباده المسلمين قبل أن يُظهرهم، ثم نوَّه بهم وسمّاهم كذلك بعد أن أوجدهم اعتناءً بهم، ورفعةً لشأنهم، وإعلاءً لقدرهم. ثم أخبر سبحانه أنه فعل ذلك ليشهد عليهم رسوله ويشهدوا هم على الناس؛ فيكونون مشهودًا لهم بشهادة الرسول شاهدين على الأمم بقيام حجة الله عليهم، فكان هذا التنويه وإشادة (٣) الذكر لهذين الأمرين الجليلين ولهاتين الحكمتين العظيمتين. والمقصود أنهم إذا كانوا بهذه المنزلة عنده سبحانه فمن المحال أن يَحرِمهم كلَّهم الصوابَ في مسألة، فيفتي فيها بعضهم بالخطأ، ولا يفتي فيها غيره بالصواب، ويَظفر فيها بالهدى مَن بعدهم، والله المستعان.

الوجه الحادي عشر: قوله تبارك وتعالى: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران: ١٠١]، ووجه الاستدلال بالآية أنه سبحانه أخبر عن


(١) ك، ب: «دينهم».
(٢) ز: «بغيرهم».
(٣) ز: «وإشارة».