للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غير ذلك من الأمور، فإذا وصلوا إلى النصوص النبوية ــ إن كان لهم هِمَمٌ وتُسافر (١) إليها ــ وصلوا إليها بقلوب وأذهانٍ قد كلَّتْ من السير في غيرها، وأوهنَ قُواها مواصلةُ السُّرَى في سواها، فأدركوا من النصوص ومعانيها بحسب تلك القوة.

وهذا أمرٌ يحسُّ به الناظر في مسألة إذا استعمل قُوى ذهنه في غيرها، ثم صار إليها، وافاها بذهنٍ كالٍّ وقوةٍ ضعيفة، وهذا شأن من استفرغ قواه في الأعمال غير المشروعة تَضعُف قوتُه عند العمل المشروع، كمن استفرغ قوته في السماع الشيطاني، فإذا جاء قيام الليل قام إلى وِرْده بقوة كالَّةٍ وعزيمة باردة، وكذلك من صرفَ قوى حبِّه وإرادته إلى الصور أو المال أو الجاه، فإذا طالبَ قلْبَه بمحبة الله فإن انجذب (٢) معه انجذب بقوة ضعيفة قد استفرغها في محبة غيره، فمن استفرغ قوى فكره في كلام الناس، فإذا جاء إلى كلام الله ورسوله جاء بفكرة كالَّةٍ، فأعطى بحسب ذلك.

والمقصود أن الصحابة أغناهم الله سبحانه عن ذلك كلِّه، فاجتمعت قواهم على تَينِكَ المقدمتين فقط، هذا إلى ما خُصُّوا به من قوى الأذهان وصفائها [١٨٤/أ] وصحتها، وسرعة إدراكها وكماله، وكثرة المعاون، وقلة المعاوق (٣)، وقرب العهد بنور النبوة، والتلقّي من تلك المشكاة النبوية، فإذا كان هذا حالَنا وحالَهم فيما تميَّزوا به علينا وما شاركناهم فيه، فكيف نكون


(١) الواو ليست في ك.
(٢) ك: «اتخذت» في الموضعين.
(٣) كذا في النسخ. ولم أجد الفعل «عاوقَ» في المعاجم، وإنما يُستعمل ثلاثيًّا (عاقَ) أو رباعيًّا (عوَّق)، واسم الفاعل منه: عائق ومعوِّق.