للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقرِّبه إليه، ويُدنيه من رضاه، لا على أيِّ وجه أراد. ولم يأذن الله ولا رسوله للمكلَّف أن يتصرَّف في تحبيس ماله بعده على أيِّ وجه أراده أبدًا. فأين في كلام الله ورسوله أو أحد من الصحابة ما يدل على أن لصاحب المال أن يقف ما أراد على من أراد، ويشرط ما أراد، ويجب على الحكام والمفتين أن ينِّفذوا وقفه، ويُلزموا بشروطه؟

وأما ما قد لهِج به بعضُهم من قوله «نصوص (١) الواقف كنصوص الشارع»، فهذا يراد به معنى صحيح ومعنى باطل. فإن أريد أنها كنصوص الشارع في الفهم والدلالة وتقييد مطلقها بمقيَّدها وتقديم خاصِّها على عامِّها، والأخذ فيها بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ فهذا حقٌّ من حيث الجملة. وإن أريد أنها كنصوص الشارع في وجوب مراعاتها والتزامها وتنفيذها فهذا من أبطل الباطل، بل يبطل منها ما لم يكن طاعة لله ورسوله، وما غيرُه أحبُّ إلى الله وأرضى له ولرسوله منه، وينفَّذ منها ما كان قربة وطاعة، كما تقدَّم.

ولما نذر أبو إسرائيل أن يصوم ويقوم في الشمس، ولا يجلس، ولا يتكلَّم= أمره النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن يجلس في الظل، ويتكلَّم، ويتمَّ صومه (٢). فألزمه بالوفاء بالطاعة، ونهاه عن الوفاء بما ليس بطاعة.

وهكذا (٣) أخت عقبة بن عامر لما نذرت الحجَّ ماشيةً مكشوفةَ الرأس


(١) في النسخ المطبوعة: «شروط».
(٢) رواه البخاري (٦٧٠٤) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -.
(٣) في المطبوع: «وكذا».